وضع وتنفيذ القانون الوطني لارتداء الخوذة: دراسة حالة في فييت-نام

المقدمة
رغم ما ورد عن جسامة إصابات حوادث السير الطرقيّة،1 توحي مصادر مُتَنَوِّعة بأنّ الأرقام الرّسميّة ربّما تُقَلِّل من تقدير العدد الحقيقيّ للوفيّات بما يزيد عن 30%.2 بحلول يناير/كانون الثاني عام 2009، كان قد سُجِّل في فييت-نام 27 مليون واسطة نقل، كانت 95% منها مراكب ثُنائية العجلات ذات مُحَرِّك، وهو رقمٌ تزايد بمُعَدَّل 7680 درّاجة نارية جديدة كل يوم في عام 2008.(1)
إنّ فعاليّة خوذات الدرّاجات النارية في الوقاية من إصابات الرأس مُوَثَّقَةٌ جيّداً،(3) والأمثلة النّاجحة تضمّ كلاً من الصين (إقليم الصّين، تايوان) وتايلاند(5) حيث ورد في التقارير الصّادرة عنهما انخفاضاً في إصابات الرأس بمقدار 33% و41%، على الترتيب، بعد تقديم قوانين ارتداء الخوذة الإلزاميّة وتطبيقها في هذَين البلدين.
تاريخ تشريع ارتداء الخوذة
رغم التاريخ الطويل لقوانين ارتداء خوذات الدرّاجات النارية في فييت-نام ، إلا إنّ انخفاض غراماتها ومحدوديّة تغطية تطبيقها قد جعلها غير فعالةٍ إلى حدٍّ كبير، ونتج عن ذلك نسبة امتثال للقانون تُقَدَّر بنحو 30%.(6) يعرض الجدول 1 قصّةً مُختَصَرَةً لتشريع ارتداء الخوذة في فييت-نام .
أثمرت الضغوط التي تعاونت على تطبيقها العديد من القطاعات في 29 حزيران/يونيو 2007 حين مرّر رئيس الوزراء نغويين تان دونغ من خلال القانون استراتيجيّةً مثّلت تعزيزاً دراماتيكيّاً لمُتَطلَّبات ارتداء الخوذة. وبسريان مفعوله في 15 كانون الأول/ ديسمبر عام 2007، فرضَ قانون الخوذة الجديد في فييت-نام ارتداء الخوذة على كل السائقين والركّاب على كل الطرقات دون استثناء.(7)
الثغرات
بعد وقتٍ قصير على تقديم التشريع، حُدِّدت الثغرات المتنوعة التي يمكن أن تحدّ من فعاليّته، وتمت معالجة مُعظمها لاحقاً وبعضها ما يزال في طريقه لأن يُعالَج.
بدايةً، أهملَ التشريعُ الإشارةَ إلى ضرورة تثبيت الخوذة بشكلٍ صحيحٍ وآمنٍ، ولم يكن لدى شرطة المرور صلاحيّاتٌ لمُعالَجة وضع الخوذات غير المُثَبَّتة حتّى تشرين الثاني/نوفمبر 2008 عندما أصبح السائقون والرّكاب المُرتَدِين لخوذات غير مُثَبَّتةٍ يُغَرَّمون كما لو أنّهم كانوا بلا خوذاتٍ على رؤوسهم.(8)
في حين أنّ القانون الجديد قد تطلّب ارتداء الخوذة من قبل كل السائقين والرّكّاب، منع التشريع الموجود مُسبَقاً تغريم الأطفال الأصغر من 16 عاماً من العمر.(9) علاوةً على ذلك، لم يجعل التشريع السابق البالغين الذين يحملون أطفالاً مسؤولين ماليّاً عندما لا يرتدي أولئك الأطفال خوذات، ما يمنع تطبيق ارتداء الخوذات عند الأطفال بشكلٍ فعليّ. تمّ اقتفاء هذا الأثر في المسوح المُجراة على الطرقات والتي تُظهِر أنّ معدّل ارتداء الخوذات عند الأطفال كان 39% مُقارنةً مع ما يزيد عن 97% عند البالغين. كما توجد هنالك تحدّيات مُستمرّة حول المُعتَقدات المُنتشرة لكن التي لا أساس لها والتي تفترض أنّ وزن الخوذة يزيد اختطار تلقّي الأطفال لإصاباتٍ في العنق.(10) قدّمت مُسَوَّدة التنقيحات التشريعيّة آليةً تجعل البالغين مسؤولين ماليّاً حين لا يكون الطفل الراكب الأصغر من 16 عاماً مُرتدياً لخوذة.
توفّر الخوذات وجودتها
عيقَت المحاولات السابقة لوضع تشريع خوذةٍ فعّال بمعايير الجودة التي تضمّنت فقط خوذات ثقيلةً تُغطّي كامل الوجه أطلق عليها الفييت-نام يّون بتندّرٍ اسم "وعاء طبخ الأرز". في عام 2001، نُقِّحت المعايير بحيث تمّ التزويد بخوذات مداريّة تؤمّن درجةً عاليةً من الحماية من الصدمات مع تميّزها في الوقت نفسه أيضاً بخفّة وزنها وكونها مُناسِبةً أكثر للمناخ المداريّ في فييت-نام .
في الوقت الذي أمّنت فيه المعايير المُنَقَّحة دعماً مطلوباً بشكلٍ كبير من أجل القبول العموميّ للخوذات، كان يُمكِن أن تحدّ درجة جودة الخوذات من فعاليّة التشريع. اكتشف مسحٌ مُجرى في نيسان/أبريل 2008 من قبل رابطة المقاييس والمُستَهلِك الفييت-نام يّة أنّ نسبة خوذات الدراجات النارية الموجودة في السّوق والتي لم تفِ بالمعايير الوطنيّة قد وصلت حتّى 80%.(11) وفي تشرين الثاني/نوفمبر2008، قدّمت وزارة العلوم والتّقانة معايير مُنَقَّحة (QCVN2) عملت على تعزيز مُتَطَلَّبات ضمان الجودة للحدّ من تسلّل مُنتجاتٍ دون معياريّةٍ إلى الأسواق.
تطبيق التشريع
رفع القانون الجديد غرامة عدم ارتداء الخوذة بشكلٍ كبير فبعد أن كانت تتراوح بين 20000 و40000 دونغ فييت-نام ي (دولار أمريكي إلى اثنين تقريباً) حسب تشريع عام 2007 أصبحت تتراوح بين 100000 إلى 200000 دونغ فييت-نام ي (6-12 دولارات أمريكية) لكل مُخالَفة،(12) وهو يُمَثِّل ما يزيد على 30% من متوسط الدّخل الشّهري.(13) تُشير المُعطيات المُستقاة من شرطة المرور إلى أنّ ما يفوق 680000 مخالّفةٍ قد تمّ إصدارها ضدّ سائقين وركّابٍ لعدم ارتدائهم الخوذة في عام 2008. يعود رَيع مُخالَفات السَّير الطرقيّة إلى خزينة الدّولة، وتُوَجَّه بعض هذه الموارد الماليّة نحو تعزيز السّلامة الطرقيّة؛ إلا إنّ هذه الموارد غير مُسَخَّرةٍ بشكلٍ خاصٍّ من أجل هذه الغاية لوحدها.
التعاون بين القطاعات
في عام 1997، أنشأت فييت-نام مجلساً انضباطيّاً مُتَعَدِّداً مُؤَلَّفاً من مُمَثِّلين عن 15 وزارة ووكالة تتضمّن النقل والشرطة والصحة والتربية لقيادة تطوير وتنفيذ كل برامج السّلامة الطرقية الوطنيّة.(14) يستضيف وزير النّقل هذه اللجنة الوطنيّة للسّلامة المروريّة ويترأّسها، وتوجد لجان مماثلة في كل من أقاليم فييت-نام الأربعة والسّتين.
طُوِّر القانون الوطنيّ لارتداء الخوذة ونُفِّذ من قبل اللجنة الوطنيّة للسّلامة المروريّة نيابةً عن الحكومة الفييت-نام ية، وتضمّن عمل اللجنة الوطنيّة للسّلامة المروريّة التوصّل إلى توضيحٍ لتفاصيل قانون ارتداء الخوذة، والتعاون والتشاور مع الشّبكات الإقليميّة لضمان التنفيذ على المستوى الوطنيّ، إضافةً إلى رفع تقارير عن تقدّم التنفيذ وعن أية عقباتٍ يواجهها إلى رئيس الوزراء.
أسهم بعض أعضاء اللجنة الوطنيّة للسلامة المرورية في عمليّاتٍ مُهِمّةٍ نوعيّاً، بما في ذلك وزارة النّقل (إعداد التشريع)، ووزارة الأمن العموميّ (التطبيق)، ووزارة الصّحة (ترصّد المشافي)، ووزارة التربية والتدريب (برامج السّلامة المُستندة إلى المدرسة)، ووزارة الثقافة والمعلومات (التسويق الاجتماعي). يُعزَى التنفيذ الناجح للقانون إلى التعاون ما بين قطاعات اللجنة الوطنيّة للسلامة المرورية فيما يتعلّق بتحقيق هذا الهدف الوطنيّ المُحَدَّد.
أسست اللجنة الوطنيّة للسلامة المرورية أيضاً شركاتٍ مع وكالاتٍ ثُنائية الجانب ومتعددة الجوانب، ومُنظَّماتٍ غير حكوميّةٍ، وشركاتٍ خاصّةٍ من أجل تسهيل إيصال الدّعم العالميّ المُوَجَّه نحو تحقيق أهداف السّلامة الطرقيّة الوطنيّة. قامت إحدى هذه الشراكات مع مجموعة تأييد اجتماعيّة، وهي المؤسّسة الآسيوية للوقاية من الإصابات، بإنتاج ثلاث حملات إعلامٍ جماهيريٍّ وطنيّة منذ عام 2005 ووزّعت 350000 خوذة مجّاناً على أطفال المدارس على المستوى الوطنيّ.
أثر قانون ارتداء الخوذة
رغم عدم إتمام أية مسوحٍ وطنية سابقةً كانت أم تاليةً لتقديم تشريع ارتداء الخوذات، فإنّ مُراقَبات متسلسلة زمنياً لمجموعة طرقٍ مُختارةٍ عشوائيّاً من شبكة الطرق في ثلاثةٍ من أقاليم فييت-نام الثلاثة والستّين (يِن باي، ودا نانغ، وبينه دونغ) قد اكتشفت زياداتٍ يُعتد بها في ارتداء الخوذات من قبل كل من السّائقين والرّكّاب. ففي دا نانغ، ازداد ارتداء السّائقين للخوذات من 27% (تشرين الثاني/نوفمبر 2007) إلى 99% (حزيران/يونيو 2008)، وكذلك الرّكّاب، من 21% إلى 99% (الشّكل 1).
الشكل1. ارتداء خوذات الدرّاجات النارية في ثلاثة أقاليم فيتناميّة قبل (تشرين الثاني/نوفمبر 2007) تقديم تشريع ارتداء الخوذات الإلزاميّ وبعده (حزيران/يونيو2008).

نجم عن الفروق في تطبيق التشريع السّابق لعام 2007 اختلافاتٌ بين الأقاليم في معدّلات خط الأساس لارتداء الخوذات. فعلى سبيل المثال، ألزم برنامجٌ رائدٌ في يِن باي بارتداء الخوذات عام 2003، وهذا ما يفسّر معدّل خط الأساس الأعلى لارتداء الخوذات في هذا الإقليم في عام 2007 مُقارنةً مع إقليمَي دا نانغ وبينه دونغ. وفيما يتعلّق بحصائل الإصابات، فإنّ نتائج إحدى دراسات وزارة الصّحة التي أُجرِيت في 20 مستشفىً مركزيّاً وإقليميّاً (من ضمن 100 على المستوى الوطنيّ)، وضمّت ما مجموعه 49782 مريضاً مُصاباً بحادث مرورٍ طرقيّ بين سبتمبر/أيلول 2007 وآذار/مارس 2008، قد أشارت إلى انخفاض اختطار إصابات الرأس بمقدار 16% واختطار الوفاة بمقدار 18% بعد مرور ثلاثة أشهرٍ على تقديم القانون، وكلاً من هذين الرّقمَين يُعتد به إحصائيّاً.(15)
بحلول كانون الأول/ديسمبر عام 2008، وبعد مرور سنةٍ على سريان مفعول التشريع، أوردت مُعطيات الشرطة الوطنيّة أنّ 1557 حياةً قد تمّ إنقاذها وأنّ 2495 إصابةً خطيرة قد تمّت الوقاية منها، هذا بالمقارنة مع نفس الوقت من عام 2007.
نظراً لكثرة سائقي الدراجات النارية، فإنّ هذا القانون سوف يُقَدِّم مُساهمةً كبيرةً في إنقاص العدد الإجماليّ للوفيّات الناجمة عن حوادث المرور الطرقيّة. ورغم القصور في المعلومات المتيسرة، وبالتالي في قوّة الرّابط المنطقيّ بين تقديم التشريع وانخفاض الإصابات، تتوافق الحصائل مع الفعاليّة المعروفة للخوذات ومع تشريع ارتداء الخوذات المُطَبَّق.(3-5)
المناقشة
سلّطت هذه المُراجَعة الضوء على بعض الأمور المُساهِمة في زيادة فعالية تشريع ارتداء الخوذات الذي صدر عام 2008. يُمكِن أن يكون التاريخ المُوَثَّق جيداً لبرامج الخوذات الفعّالة في بلدان كثيرةٍ قد أسهم في تثبيت الثقة لدى الحكومة بأنّ تشريعاً مُماثلاً يمكن أيضاً أن يكون ناجحاً في فييت-نام ، على الرّغم من المُحاولات الفاشلة في الماضي.
تم تنفيذ التشريع بطريقةٍ بدا فيها البحث فعّالاً: (1) وُضِعَت غراماتٌ صارمةٌ على عدم ارتداء الخوذة، 10 أضعاف الغرامات السّابقة؛ (2) ضَمِن التثقيف العموميّ المُتَقَدِّم والتسويق الاجتماعي توليد إدراكٍ عند السّكّان بالالتزام القانونيّ وبالغرامات المُرتفعة؛ (3) استخدمت الحكومة الخدمات المدنية كنماذج محاكاة، تطلب ذلك أن يرتدي كل مُوَظّفي الحكومة (تقريباً 4 ملايين مواطن، إضافةً لعناصر القوّات المُسَلَّحة) خوذات قبل سريان مفعول القانون بثلاثة أشهر؛ (4) كان التطبيق صارماً منذ أن أصبح القانون فعّالاً؛ (5) غطّى التشريع السائقين والركّاب على كل الطرقات، ما قلّل بالتالي من احتمال حدوث أيّ إرباكٍ فيما يتعلّق بإلزاميّة ارتداء الخوذة؛ (6) كانت الخوذات المُمكِن توفيرها والعالية الجودة والمُناسبة للمناخ مُؤَمَّنةً بسهولةٍ للسكّان.
أُصدِر التشريع من قبل رئيس الوزراء، ما ضمن بالتالي أعلى مستوىً من الالتزام السياسيّ. ودعم القادة الوطنيّون أيضاً جهود التثقيف العموميّ بقيادتهم لها حتى 15 كانون الأول/ ديسمبر، وتضمّنت هذه الجهود توزيع 50000 خوذة على الأسر محدودة الدّخل على المستوى الوطنيّ.
الاستنتاج
كان تنفيذ تشريع خوذات الدراجات النارية ركيزةً هامّةً للسلامة الطرقيّة في فييت-نام . يجب أن تخدم الخبرات والدّروس المُتَعَلَّمة من خلال هذا التنفيذ كأمثلةٍ مُهِمٍّةٍ للتّعاون مُتَعَدِّد القطاعات من أجل البلدان النامية الأخرى ذات العبء المُرتفع من إصابات المرور الطرقيّة والانتشار الواسع لوسائل النقل ثنائيّة العجلات ذات المُحَرِّك (الإطار 1).