الضجيج يتعب الأعصاب ويسبب الأمراض
ان الضوضاء في المدينة والأصوات الصاخبة هي آفة اجتماعية في عصرنا حيث تكاثرت مصادر التشويش في المدن من الآلات الصناعية والسيارات والطائرات وآلات الراديو والتلفزيون ومكبرات الصوت والموتورات الكهربائية والمصانع إلى آخر ما هناك من آلات تحدث اصوات مزعجة وتؤثر على صحة الإنسان وعلى سمعه وتخلق له اضطرابات عصبية وقلقاً وقلة نوم وتكثر من الحوادث. ان مستوى الضجيج في المدن هو في ارتفاع مستمر فنحن نسمع الآن أصواتاً بمستوى مئة ديسيبل DECIBEL في الشوارع والساحات وهي مؤذية فعلاً للصحة والسمع وذلك دون أي وقاية.
العالم الثالث مهدد بالطرش!
كيف يقاس مستوى الصوت؟
يسجل مستوى الصوت بواسطة آلة تسجيل تدعى Sonometre وهناك آلات اكثر تطوراً تسمى Spectraux Analyseure او آلة Vibrometre ويوجد وحدة قياس وهي ديسيبل .Decibel اما فحص السمع عند الإنسان فيكون بواسطة تخطيط السمع او اوديو غرام Audio gramme وهو تسجيل لمعدل السمع على عدة موجات مثلاً على موجة 500 هرتز تستطيع الأذن سماع الأصوات التي تفوق العشرة ديسيبل، على موجة 250 هرتز لاتستطيع الأذن سماع سوى الأصوات التي تفوق العشرين ديسيبل. إن الموجات العادية هي بين 500 و300 هرتز ولكن الإنسان يستطيع سماع الموجات بين 16 هرتز وعشرين ألف هرتز. فوق هذه الحدود تصبح الموجات في مستوى ما فوق الصوتية وهي لا تسمع.
يتبادر إلى أذهاننا سؤال وهو: ما هي الضجة أو الضجيج؟ وهل الموسيقى تعتبر ضجة؟ إننا نعتبر ضجة كل صوت يزعج سمعنا، كل صوت غير مرغوب به. من المؤكد إنه لتحديد الصوت المزعج أو الضجة نحن بحاجة لثوابت علمية وليس لإحساسات شخص معين. ان الموسيقى نفسها يمكن أن تطربنا في النهار وتصبح ضجيجاً يمنعنا من النوم بالليل. والصوت الذي لا يزعجنا عادة من الممكن ان يؤذينا عندما نشكو من تعب او مرض او توتر اعصاب. إن صوت الدراجة النارية لا يزعج صاحبه ولكنه يزعج الآخرين. هناك أيضاً حساسية معينة على بعض الأصوات مثل ذلك السجين الذي يصاب بالجنون لسماعه صوت نقطة ماء تسقط بصورة منتظمة من حنفية في الغرفة المجاورة. ان الإنسان الأوروبي يعتبر الموسيقى العربية أو الأفريقية ضجيجاً بينما تطرب الإنسان العربي والأفريقي.
لذلك جرى تحديد للأصوات بصورة علمية بحسب قوتها وحدد مستوى الضجة المسموح به دون اذى في عدة أماكن. كذلك تدخل في نطاق الضجة الأصوات التي يراوح مستوى قوتها بين 40و50 ديسيبل داخل شقة هادئة. وفي الشارع بين 60 الى 80 ديسيبل وفي المعامل بين 90 الى 110 ديسيبل.
بعد كل هذا لا بد من السؤال: ما هو تأثير الضجيج على اجسامنا؟
في الأحوال العادية الضجيج ممكن ان يحجب اصواتاً نحن بحاجة إلى سماعها مثل الكلام أو أوامر تصدر لنا أو منبه أو جرس. والضجيج في كل الحالات يوتر أعصابنا ويخفف من انتباهنا.
في حال الضجيج لا تستطيع معرفة مصدر الصوت وتفادي الخلل. وهو يسبب نوعاً من التعب للسمع. فالأذن التي لها عادة ان تسمع من 30 الى 40 ديسيبل لا تسمع إلا ابتداءً من 60 ديسيبل بسبب الضجيج. أهم أسباب ضعف السمع عند الناس هو الضجيج العالي، فقدان السمع يبدأ عادةً على الموجات العالية ثم ينتشر ليصبح طرشاً يصحبه طنين أو رنين في الأذن. وهذا الطرش الجزئي يصيب الأذنين معاً، وهو يتطور نحو الأسوأ دون الرجوع إلى الوراء إذا بقي الشخص معرضاً للضجيج.
إن الضجيج يسبب أيضاً فقدان في التوازن عند الإنسان فيصبح الشخص معرضاً لأن يقع ارضاً في عمله مما يسبب حوادث كثيرة. هذا الفقدان في التوازن يرغم الشخص على القيام بمجهود مضاعف كي يؤدي عمله مما يسبب له الدوخة والتقيؤ وربما الإغماء.
تأثير الضجيج لا يقتصر فقط على السمع بل انه يطال العقل وقدراته لأن الضجيج المتواصل يخلق عند الإنسان إنزعاجاً نفسياً شديداً ويسبب القلق والخوف وعدم الثبات ويخفف من الإنتباه وقوة التركيز. وهذا سبب من أسباب الحوادث. وهو أيضاً يزعج الذاكرة والتفكير ولا يسمح لنا ان نختلي بأنفسنا ويأخذ منا أوقات الراحة ويحدث اضطرابات في النوم مما يؤدي إلى التعب بسرعة.
إن بعض الأصوات حتى لو كانت ضعيفة. كطنين الذبابة مثلاً، يسبب عند بعض الأشخاص توتر أعصاب وكرهاً شديداً للصوت حتى إذا ما استمر هذا الصوت على حاله يصبح الشخص في حالة نفسية تعيسة.
كلنا يلاحظ الصعوبة في العمل في بيئة تشكو من الضوضاء إذ نشهد ارتفاعاً كبيراً في الأخطاء اثناء العمل وعدم سرعة في التنفيذ ونقصاً كبيراً في دقة العمل وجودته وكثرة في حوادث العمل.
إن السكرتيرة التي تعمل على الآلة الكاتبة تنخفض سرعة عملها بنسبة ثلاثة في المئة في الضوضاء بينما نسبة الأخطاء المطبعية ترتفع بالنسبة عينها.
إن العامل الذي يبقى طوال النهار في الضوضاء يشعر بهبوط وتعب شديد وحاجة ماسة للراحة كذلك يشعر بالدوخة وألم في الرأس وميغران وأيضاً يشعر بنقص في الشهية مع ضعف عام.
لقد أثبتت التجارب الطبية أن الضجيج يسبب زيادة في نبضات القلب والتنفس وارتفاعاً في ضغط الدم، وكذلك يؤدّي إلى اضطراب في هضم الطعام وتشنج العضلات. هناك أخيراً تأثيرات الرجرجات الصوتية على جسم الإنسان مثل تلك التي تفتعلها آلات الحفر التي تسبب التعب السريع وقلة النوم وآلام المفاصل والتكلس والورم في العضلات. ثم إننا لا ننسى القذائف في الحروب التي تحدث موجة صوتية قوية مع ضجيج حاد مما يسب طرشاً جزئيا ًوهو تمزقاً في طبلة الأذن وفي بعض الأحيان دوخة وتقيؤ.
من هنا لا بد من التساؤل عن حدود الضجيج المسموح بها والتي لا تؤثر على بنية الجسم فنجد انه من المتعارف عليه أن الضجة تصبح مؤذية ابتداءً من 80 ديسيبل ويوجد خطر حقيقي خصوصاً على السمع ابتداءً من 90 الى 100 ديسيبل. ان مستوى الصوت المفروض عدم تخطيه يختلف حسب الشخص وبيئة العمل، مثلاً المريض لا يستطيع ان يتحمل صوتاً يستطيع ان يتقبله عامل الطيران. لذلك جرى تحديد لمستوى الصوت، مثلاً في المستشفيات لا يجب ان يتخطى الصوت 15 ديسيبل، وفي غرف النوم 20 ديسيبل، وفي داخل المنازل 30ديسيبل، في المدارس40 ديسيبل، في صالات السينما والمكاتب 45ديسيبل، في المطاعم والمحلات التجارية 55ديسيبل، في الشارع 65ديسيبل، في المعامل والمطارات والساحات العامة 80 ديسيبل.
ونظراً لأن هذه الحدود المسموح بها غير مطبقة فعلياً فانه لا بد من البحث عن السبل الكفيلة بمكافحة الضجيج والحد من سلبياته الكثيرة.
تقول الأبحاث الطبية ان مكافحة الضجيج تبدأ من النبع اي انها تسعى إلى خفض ضجيج الآلة بحد ذاتها قبل أن تستعمل الوقاية.
ففي البلدان الصناعية المتطورة تتركز الوقاية الآن على الآلات الجديدة اي الآلات التي توضع في الإستعمال حديثاً حتى تكون صامتة أو خافتة الصوت. أما الآلات القديمة فيجب اجراء تحسينات عليها لخفض الضجة المنبثقة منها.
مثلاً نستطيع تركيب امورتيسور Amortisseur او قطع غيار جديدة او وضع مواد بلاستيكية.
ويوجد ايضاً اصوات التسربات المائية او الغاز التي تعطي قوة دفع كبيرة وضجة وهذه تكافح باستعمال فيلتر Filtre أو كاتم صوت.
نستطيع أيضاً تغليف الآلة بمواد تسحب الصوت وتخفضه او تصفيح الآلة بواسطة صفائح من الرصاص تعزلها او تبديل القطع القديمة بقطع الكترونية حديثة صامتة.
يجب أيضاً عزل منبع الصوت أي عزل الآلة بوضع مواد حولها ضد الرجرجات الصوتية مثل الكاوتشوك او الرسورات Ressorts أو فراش من البلاستيك.
من أحسن مواد العزل هو الباطون، لذلك من الأفضل أن نضع الآلة ضمن غرفة مقفلة من الباطون حتى نستطيع إضافة مواد داخل جدران تمتص الصوت.
هناك ايضاً طرق للوقاية من الصدى فالصوت عندما يضرب بحائط أو بناية مثلاً يحدث صدى يزيد من قوة الضجيج. والطريقة بتغليف الجدران بمواد مانعة للصدى.
اذا لم نستطع عزل الآلة عن العامل يجب ان يبتعد عنها مع اقامة عدد من الموانع بينهم. هناك العديد من الآلات الحديثة تتلقى الأوامر من بعيد بواسطة أجهزة الكترونية حديثة بحيث يكون العمل ضمن غرفة معزولة وهو يرى الآلة في غرفة ثانية.
إن طريقة المعامل تتحسن باستمرار وهي هامة جداً لعزل المشاغل العديدة بعضها عن بعض وعزل المكاتب عن المشغل وتغليف الجدران بمواد بلاستيكية. الطرق الحديثة تتجه لبناء عدة مشاغل صغيرة معزولة داخل المعمل.
إن طرق البناء الحديثة تنطبق أيضاً على المنازل في الوقاية حيث إن غرف النوم من الأفضل أن تكون بعيدة عن الشارع أو عن المصعد. إن مهندسي المدن الحديثة يهتمون بخلق أحياء سكنيّة هادئة حيث أبنية السكن بعيدة عن الضوضاء وتوضع في جميع جدران المنازل مواد عازلة للصوت.
كما هناك طريقة عزل الشخص عن الضجيج باستعمال طرق عازلة شخصية، كوضع قطعة من القطن في الأذن وهي ليست مستحبة ولا تعطي وقاية كافية. إن وضع مواد من الصمغ توضع في الأذن وتخفض الصوت بنسبة 30 ديسيبل هنالك أيضاً الكبسولة المصنوعة من المواد البلاستيكية التي توضع في الأذن.
أما الوقاية الفعّالة هي بواسطة غطاء الأذن يوضع على الأذنين، ولكن لهذه الطريقة سلبياتها لأنها تحول دون سماع الحديث أو الأوامر التي توجه إلى العامل.
من هنا لا بد من الفحص الدوري للعمال في المصانع حيث يوجد ضجيج. فالطبيب يستطيع أن يلاحظ فقدان جزئي للسمع ويتخذ إجراءات لإبعاد العامل عن مركز الضجيج. كما يستطيع الطبيب أن يجري تخطيط سمعي لكلّ عامل معرض للضجيج. أو استخدام أسلوب العمل الدوري أي أن العامل يكتفي بثلاث ساعات فقط خلال النهار ثم يترك الآلة مصدر الضجيج ليتناوب عليها عمال آخرون وللفترة نفسها.
اخيراً من اهم طرق الوقاية وجود قوانين تمنع الضجيج وتحدد معدلات الضجة المسموح بها بواسطة آلات حديثة.