جورج نسيم خرياطي
برعم ٌ يقطف قبل الأوان
نشرة اليازا العدد 2، 26 نيسان 2007

بحزن ٍ لا حدود له؛ بدموع ٍ غزيرة ٍ لا تنضب؛ بحرقة قلب ٍ مريرة؛ بوجع أم ٍ نكبت بإبنها الذي فارقها قسرا ً في ريعان الشباب؛ وبإيمان ٍ عميق ٍ بضرورة وجدوى العطاء والتغيير وتحويل المصاب إلى مبادرات ٍ إيجابية ٍ تنعكس خيراً على الجيل اليانع في وطني، أكتب هذه السطور آملة ً أن تخترق القلوب والعقول وتحدث التغيير والتطوير. كلماتي هذه أوجّهها إلى جميع أمّهات لبنان خاصة اللواتي فجعن بمصاب ٍ أليم ٍ علهم يعلون على الصعاب ويجدن بين سطوري العزاء والقوة والإيمان. أرفع صوتي عاليا ً إلى كل المشترعين اللبنانيين المؤتمنين على حياة وحقوق الناس صغارا ً وكبارا ً، طالبة ً منهم يقظة الضمير والتشدد بإحقاق العدالة وتطبيق القوانين، فلا تثكل أم ٌ ولا يتحطم قلب أب ٍ أو أخت ٍ أو أخ ٍ مجددا ً.
مئات الشباب والشابات من أمثال حبيبي الغائب الحاضر جورج يقتلون سنويا ً على طرقات لبنان بسبب تهور ولا مبالاة السائقين وبسبب غياب قانون سير حازم، كأن أرواح الشباب وحياتهم لا قيمة لها وكأن الحق والعدالة لا ضرورة لهما في هذا القسم من العالم.
جورج نسيم خرياطي برعم ٌ يانع ٌ وزر ُ ورد ٍ إقتطف قسرا ً في عامه السادس عشر. عاشق ٌ للحياة في كل أبعادها، مثال ٌ للبراءة والوداعة كمثل الحمل سيق إلى الذبح ولم يفتح فاه وهو في ربيع العمر.
في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني 2005 كان جورج ضحية ً بريئة ً لحادث سير قاتل. وقع هذا الحادث المؤسف بينما كان جورج يقف بحذر ٍ على جانب الطريق الممتدة بين كفرحزير وأميون في قضاء الكورة، وكانت الطريق ذات إنارة جيدة ٍ جدا ً ولم يكن الطقس ممطرا ً أو ضبابيا ً. صدمت سيارة ٌ ذات سرعة ٍ جنونية ٍ جورج ورمته 18 مترا الى الحديقة المجاورة للطريق حيث استقر نازفا ً، مهشم َ الجسد، يعاني كسورا ً في الرأس والعنق مع نزيف ٍ داخليّ شديد. نقل جورج إلى أقرب مستشفى حيث أنعش، لكن كلّ محاولات إنقاذ حياته باءت بالفشل وفارق الحياة متأثرا ً بجراحه.

جورج يقدم هدايا الميلاد إلى الأطفال المصابين بالسرطان
حياة ٌ مفعمة ٌ بالمحبة والعطاء وروح النكتة، نشاط ٌ دائم ٌ، آمال ٌ وطموحات، قيم ٌ ومناقبية ٌ، عشق ٌ عارم ٌ للحياة وللرفاق وللرفيقات كلها تبخرت في لحظات وأضحت ذكريات. جورج " الزعيم" كما كان أصدقاؤه يلقبونه كان المرشد والمحب والوجه الضحوك ومخطط البرامج. كان يشعر مع الآخرين خاصّة ً المحرومين والمعوزين، وكان تفانيه لعائلته ولأصدقائه ونضجه الملفت مدعاة فخر ٍ وإعتزاز ٍ للجميع. وبالرّغم من صغر سنه، كان يتسم بالجديّة والنضج وكان يعمل دوما ً على حلّ مشاكل رفاقه ورفيقاته وإضفاء البسمة والفرحة والطمأنينة إلى كلّ من أحاط به. كان منهجيّ التفكير والمعتقد، محترما ً لمبادئ الغير مهما كانت مغايرة، يراعي شعور وخواطر الآخرين وكان معطاء ً ومندفعا ً في الخدمة. كان شغوفا ً بالعلم وحالما ً بأن يلتحق بجامعة ماغيل الكندية ليصبح جراحا ً كوالده. أحب جورج كلَّ أنواع الرياضة والموسيقى والتصوير الفوتوغرافي وعشق عالم السيارات. كان لدى جورج الكثير الكثير ليقدّمه لعائلته، ولمحيطه ولوطنه. لكن شاء القدر أن يحرمنا من جورج بأبشع الطرق، جورج الذي ترعرع وتربّى على ضرورة التقيّد بالقوانين ومنع من قيادة السيارة لأنه ما زال تحت السن، احتراما ً وحرصا ً على سلامة الغير وسلامته. افلا يستغربنّ أحد ٌ إن شعرنا بالأسى الشديد والغضب، فنحن ما ربّينا فلذة كبدنا وسهرنا على راحته الليالي الطوال ليأتيَ أيّ كان ويحرمنا منه بقيادته الخرقاء. "حسبُ الحياة مجدا ً ما تبذله في مقاومة الموت، وحسب الموت خزيا ً أنه ما أخمد نفسا ً وقصف زهرة ً إلا فجرت الحياة ألف نسمة ٍ وفتحت ألف برعم ٍ" (لتوفيق يوسف عواد). أيّ كلمات ٍ أقول لنسيم الوالد الطبيب الذي ضحّى وجاهد ليمنح إبنه الأصغر الرعاية الكاملة والتربية الصالحة والحنان الأبوي اللا متناهي؟ كيف أعزّي الأخ والأخت جاك وإفلين اللذين فقدا الأخ الرفيق الغيور المحب؟ ماذا أقول لأقرباء ولرفقاء جورج الكثر الذين لا يصدقون أنه رحل عنهم في غفلة ٍ من الزمن، وبئس الزمن الذي أفقدهم القريب والصديق "الزعيم" المخلص؟ لهم جميعا ً أقول: إن جورج خالد ٌ ببسمته الحلوة وروحه العطرة وقاموس أخلاقه النادرة. تعالوا نضمّد الجراح ونعلو على الأحزان ونحوّل الخسارة التي لا تقاس ولا تعوّض إلى منحى ً إيجابي كما كان يرغب جورج دوما ً في حياته المتسامحة. أمّا إلى المشترعين اللبنانيين فأقول: أين العيون الساهرة على القوانين؟ أين حقوق الإنسان والشباب؟ هل نامت نواطير لبنان عن ثعالبه؟ هل من ضمير ٍ يستيقظ قبل مقتل المزيد من الضحايا الأبرياء على طرقات قطعة ٍ من الجنة إسمها لبنان؟

جورج يحضر بحثاً على الكمبيوتر
كان غياب جورج أقسى خسارة ٍ تعرضنا لها كعائلة، وكانت أيضا نقطة تحول ٍ كبيرة ً في حياتنا.
في وجه هذه المأساة كانت لدينا ردتا فعل:
1. الغضب والإنكار والحزن الشديد
2. ردة فعل أكثر إيجابية وهي العمل على خفض نسبة حوادث السير المسبّبة للإعاقة والوفاة في لبنان وعلى رعاية الشباب فيه
إخترنا ردة الفعل الثانية، وكانت أولى خطواتنا تأسيس مؤسسة جورج نسيم خرياطي.
من أهداف هذه المؤسسة:
1. تعليم الأطفال اللبنانيين من عمر 7- 14 سنة قوانين السير وطرق القيادة الصحيحة عبر إنشاء حديقة جورج نسيم خرياطي للسير في كفرحزير الكورة بالتعاون مع اليازا والجمعيات غير الحكومية المهتمة، وهذه الحديقة هي رائدة في الشرق الأوسط.
2. العمل مع المؤسسات غير الحكومية على تعديل قانون السير اللبناني
3. تشجيع الكفاءة الأكاديمية عبر تقديم منح مدرسية لطلاب موهوبين ومحتاجين في مدرسة الليسيه اللبنانية – الفرنسية، طرابلس، حيث درس جورج.
4. تأمين المساعدة الطبية العالية الجودة والمجانية للطبقات المحرومة من خلال مستوصف جورج نسيم خرياطي في الميناء، طرابلس.
5. تشجيع التفاعل الحيوي بين المراهقين عبر إنشاء قاعة جورج نسيم خرياطي في الليسيه اللبنانية – الفرنسية، طرابلس، حيث يتمكن الطلبة من مناقشة الأمور الحياتية الحيوية وتبادل الآراء والعمل على المشاريع المشتركة والمفيدة وحل نقاط الخلاف وتقريب وجهات النظر.
6. إنشاء موقع إلكتروني
www.georgesnkhoriaty.com
يكون ذكرى ً لجورج ومنتدى ً لأصدقائه وللشباب، ومركز معلومات عن قوانين السير وعن طرق تلافي الحوادث.
.jpg)
جورج مع والديه الدكتور نسيم والدكتوره أدلات وأخيه جاك وأخته
وقد تحقق من هذه الأهداف ما يلي:
1. إكتملت مخططات حديقة جورج نسيم خرياطي للسير وبدأ العمل بإنشائها هذا الشهر وستكون الحديقة صالحة للعمل في تشرين الأول 2007 (Georges Nassim Khoriaty Traffic Garden).
2. أعطيت منح دراسية لأربعة طلاب مؤهلين في مدرسة الليسيه، كفرقاهل في العامين 2006 و2007.
3. افتتح مستوصف جورج نسيم خرياطي في تشرين الثاني 2006 وجهز بأحدث التجهيزات والكمبيوترات ووسائل التثقيف والوقاية الصحية وهو يستقبل مئات المرضى أسبوعيا ً.
4. كرست قاعة جورج نسيم خرياطي في الليسيه وجهزت بتقنيات ٍ عصرية ٍ أو وسائل ترفيهية في كانون الأول 2006 بمساهمة ٍ من العائلة.
5. افتتح الموقع الإلكتروني منذ سنة وهو يشكل صلة وصل بين الشباب اللبناني ويؤمن لهم المعلومات المفيدة المتعلقة بالحوادث وكيفية الوقاية منها وبالنشاطات التثقيفية والترفيهية.
إن النشاطات المتعددة التي تقوم بها مؤسسة جورج نسيم خرياطي تنبع من محبتنا واحترامنا لقيمة حياة الشباب اللبناني وهي تكريس لمبادئ جورج في العطاء. نحن نتعاطف مع كل من خسر إنساناً أحبه ونتمنى الحكمة لكل من تسبب بقتل حياة بريئة.
د. أدلات عيناتي خرياطي