هكذا كانت الشرارة الأولى لانطلاقة اليازا.
(19 آب 1994 إلى نهاية العام 1996)
في تشرين الأول 1993، التقيت بالشاب طارق عاصي لأول مرة في كلية الهندسة في الجامعة الأميركية في بيروت حيث كنا نخضع لامتحانات دخول تميزت بمنافسة حادة.
بعد أن تم قبولنا في الجامعة، شاءت الصدف أننا كنا نسكن في نفس البلدة "الحازمية"، فاتفقنا على الذهاب معاً إلى الجامعة بسيارة أحدنا مداورة كل يوم.
مع مرور الوقت، ومع ظروف الدرس الشاق، نشأت بيني وبين طارق أواصر صداقة متينة اتسمت بالمحبة والإحترام المتبادلين.
ذات يوم، في 18 آب 1994، أوصلني طارق بسيارته إلى المنزل وتوجه إلى بلدة والدته "صغبين" في البقاع الغربي، بينما توجهت أنا إلى بلدة والدتي "اهدن" في الشمال لمدة أربعة أيام من أجل المذاكرة والتحضير الجيد لامتحانات نهاية الفصل.بعد عودتي من اهدن في 22 آب وكان يوم اثنين، توجهت مباشرة إلى منزل "أعزأصدقائي" لأصطحبه معي إلى الجامعة!.لدى وصولي إلى منزل طارق، انتظرته لبعض الوقت ولكنه تأخر في الخروج على غير عادته!..
فأخذت استعمل منبه سيارتي بقصد استعجاله وإلا تأخرنا إلى الجامعة.
وبعد أن بدأ بعض الجيران بالظهور على الشرفات ولم يظهر طارق، ترجلت من السيارة وتوجهت مسرعاً إلى مدخل منزله غير مدرك لما سأكتشفه بعد لحظة
يا للهول، يا للكابوس المزعج.
غير معقول.
لا بد أنني أحلم.
لا بد أن هذه الصورة لشخص آخر.
صُعقتُ لهول ما رأيت..
، لقد رأيتُ صورة طارق مع بيان ينعيه على الباب الذي كنت أنتظر خروجه منه!.
يا إلهي! لم أدر كم مر من وقت قبل أن بدأت استعيد رباطة جأشي وأستوعب الوضع بعض الشيء. صدمة ما قبلها وما بعدها صدمة..لقد كانت المرة الأولى التي أقف فيها مشدوهاً أمام مفاجأة الموت وهيبته، وموت من؟.لملمت نفسي وجراحي وتوجهت متثاقلاً إلى تربل في وسط البقاع حيث قرية طارق ومثواه الأخير!.
وهناك أيضاً في تربل حيث حصل ما حصل، فعندما رآني أهل طارق وخاصة والدته التي كانت تعتبرني بمعزَّة ولدها. كأنهم رؤوا طارق. كأن طارق عاد من جديد.حقيقة أعجز عن وصف تلك اللحظات وما جرى فيها من أمور وتصرفات مؤثِّرة.

أصدقاء طارق عاصي أمام المزار التذكاري مكان وقوع الحادث في صغبين.
لقد رحل طارق فجأة إلى الأبد.صحيح، ولكن روحه لا زالت تحوم فوق صرح اليازا. لقد كان سبباً في تأسيسها وسيبقى مُلهِماً في تطورها واستمرارها. لقد رحلتَ يا طارق دون كلمة وداع ولم نعهدك قاسيَ القلب إلى هذه الدرجة، أنا زياد أعز أصدقائك وأعرف حقيقة أمرك، أنت لم ترحل بملىء إرادتك، بل خطفك ذلك القاتل المتعطش للدماء الذي لا زال يمعن قتلاً وفتكاً بشبابنا وأحبائنا دون حسيب أو رقيب إنه "حادث السير" الذي لايرحم. لقد آليتُ على نفسي أنا ومَن يؤازرني من أفراد اليازا ومِن مسؤولين رسميين ومن مجتمع أهلي أن ننتقم لك ولكل من ذهب ضحية سير.هذا عهد من اليازا لعائلتك ولكل عوائل ضحايا السير.