اندره عقل
تكرر المأساة كان له دور كبير في نشأة اليازا ...
تلقيت أكبر صدمة في حياتي بموت أحد أعز أصدقائي "طارق عاصي" فجأة في حادث سير مروع عام 1994 وكان في التاسعة عشرة من عمره، ثم تلتها صدمة كبيرة أخرى بعد مرور أقل من سنة بموت إبن عمي "أندره" عقل، أيضاً بحادث سير مفجع وكان في الحادية والعشرين من عمره! كانت هاتان الصدمتان كافيتان لحثي على عمل شيئ ما لمواجهة مشكلة المرور في لبنان والحد من خطرها المتعاظم يوماً بعد يوم، فكانت اليازا.
غالباً ما نُخطط للمستقبل ونعقد الآمال الكبرى على ما نحب أن نحققه، فنعيش فترات سعيدة كما يحصل في الأحلام الجميلة معتقدين أن كل ما نتمناه سوف ندركه بسهولة، غافلين عن حقيقة هامة وهي أن الرياح قد تجري بما لا تشتهي السفن، فيحدث فجأة خطب ما، يوقظنا من أحلامنا السعيدة ويضعنا في مواجهة واقع أليم تذهب معه الأحلام وتتبخرمعها الآمال وتحل مكانها الآلام!
وهذا ما ينطبق تماماً على حادث السيرعندما يكون مأساوياً إذ يضرب على حين غَرة ليخطف الأهل والأصدقاء والأحباء، وليُعطل كل المشاريع الموضوعة و يُحبط الخطط المرسومة، وليقلب الأوضاع رأساً على عقب.
فبموت صديقي "طارق عاصي" في آب 1994 في حادث سير مفجع، طارت المشاريع والأحلام التي كنا قد عقدنا عليها الآمال الكبيرة معاً للمستقبل في ميدان الهندسة وهو مجال تخصصنا أثناء دراستنا سوياً في كلية الهندسة في الجامعة الأميركية في بيروت، وبدأتُ حينها أشعر في قرارة نفسي أنه يتوجب علي إيجاد وسيلة ما، للحد من مأساة السير المتفاقمة والخطيرة علَّني أوَفَّق في التخفيف من معاناة الآخرين في هذا الشأن، فبدأت أفكّر في هذه الوسيلة ملياً وأبحث عنها جدياً.
في ذكرى أسبوع موت طارق، تم جمع مبلغ $400 من زملائه، وقمتُ بتقديم المبلغ إلى جد طارق لتشييد مزار تذكاري له في نفس المكان الذي تدهورت فيه سيارته وهو منعطَف خطير بالقرب من بلدة صغبين في البقاع الغربي.
وبعد أفول نجم طارق عاصي، بدأ عام دراسي جديد (1994-1995) وبدأتُ مع بعضٍ من أصدقائي نشاطاً مستمراً حيث قررنا عدم نسيان طارق.
وفي تاريخ 27 نيسان 1995، أعلنا عن نيتنا القيام بحملة وطنية كبرى للوقاية من كافة أنواع الحوادث لتطال كل المناطق اللبنانية ولمواجهة حوادث السير التي كانت السبب في موت صديقنا طارق وهو في التاسعة عشرة من العمر.
وبدأت أنا وأصدقائي الشباب بتأسيس اليازا، فتقدمنا بطلب العلم والخبر في 2 كانون الثاني 1996إلى وزارة الداخلية وتابعنا نشاطنا. في تلك الفترة، كان إبن عمي أندره عقل أيضا ناشطاً معنا في مساعينا لتأسيس اليازا، وكان قد شارك في عدد كبير من النشاطات في العام 1995.
وفي 18 نيسان 1996، تعرض إبن عمي لحادث سير مفجع على الطريق الدولي بالقرب من بلدة البربارة أدى إلى دخوله في غيبوبة وثم إلى وفاته بتاريخ 22 أيار 1996 وهو في الحادية والعشرين من العمر. لقد كان لتكرّر المأساة ولإصابتي في عائلتي هذه المرة دور كبير في حملي على تكريس كامل جهودي وطاقاتي لتأسيس اليازا بسرعة والسعي لتطورها!...
اليوم وبعد مرور أكثر من 12 سنة على تأسيس اليازا، وعلى الرغم من كل الجهود والتضحيات والعمل الشاق للحد من حوادث السير، للأسف سقط ولا يزال يسقط على طرقاتنا آلاف القتلى والجرحى والمقعدين معظمهم من الشباب الذين لا يُقدَّرون بثمن، والذين يشكلون خسارة فادحة لذويهم ولوطنهم.
والسبب في ذلك لا يعود لعدم نجاح اليازا في مسعاها، وإنما يكمن في صعوبة التصدي لكوراث حوادث السير نتيجة تقاذف المسؤوليات وإهمال الكثير من المواطنين وبعض المعنيين والمسؤولين الذين سئموا من نضال جمعيتنا وإخلاصها للقضية التي وُلدت من أجلها!...
إننا نقول لجميع المستهترين بحياة الإنسان في لبنان وخاصة بسلامته أثناء التنقل... أنه سواء انزعجوا أم سئموا أم ملوا أم ضجروا، فإن اليازا ستتابع بكل صدق وإخلاص واستقلالية مساعيها لوقف هذا النزف على طرق بلدنا بجميع الوسائل التي تتيح بها القوانين المرعية الاجراء.