قصة مريم
"معظم النار من مستصغر الشرر"
كثيراً ما كنا نسمع في طفولتنا القصص وهي تُروى لنا، كانت نسيج خيال سطرته أفواه أهلنا على مسامعنا، ربما كان الهدف منها التسلية أو تهذيب النفس وأخذ العبر.. سَحَرَنا سَرْدها وسُرِرنا في نهاياتها.
أما قصص اليوم فهي حقيقية، مؤلمة، مفجعة تنتهي بسقوط أبطالها، وكأنه كُتب علينا أن نقضي بأيدينا على أحلام جيل المستقبل الذي ضحينا تجاهه بالغالي والنفيس من أجل بناء وطن نحلم يوماً بنهوضه رغم الجراح، كلنا أمل بأن الليل مهما طال فلا بد من بزوغ فجر جديد يحمل في طياته كل البِشْرِ والخير والسلام.

لقد تاه عن فكرنا أن هناك في مكان آخر، من لا يُدخل في حساباته هذه الأمور، وكل همه العيش كيفما كان.. فلا وزن عنده للأخلاق والمبادئ والتربية وحقوق الآخرين.
بعد انتهاء الإمتحانات المدرسية، اصطحبت مريم صديقاتها، الأحد 15 حزيران 2008، وقصدت منطقة قصقص حيث الملاعب المنتشرة التي يقصدها العشرات لقضاء أوقات سعيدة ويمارسون الرياضة التي يحبونها.. بعد انقضاء بعض الوقت، شعر الجميع بالعطش، فأرادت مريم مع صديقتها جلب الماء من دكان قبالة الملاعب، وطلبت من صديقتها قبل الإنطلاق الإنتباه عند عبور الطريق، ولم تدرك أن شاباً في سن المراهقة يقود سيارته بسرعة جنونية .. وإذا كانت الطريق المليئة بالسيارات تحول دون تحقيق رغبته الجامحة في السرعة، احتال عليها مخالفاً قانون السير وراح يجتاز الطريق مستهزءاً بنظام السير، مستهتراً بأرواح الناس معتمداً على مال أبيه بنجاته إن هو صدم أحداً .. وكأنما الناس، في زعمه، سلعة تُشرى بالمال.
لقد تحقق ما أراد، فنال لذة السرعة في القيادة، ولكن على حساب إبنتنا الغالية، فرماها أمتاراً بعيدة، حيث تم نقلها إلى المستشفى وبقيت تصارع الموت نحو ست ساعات... لقد كانت الضربة القاضية.. لقد انتصر الاستهتار والاستهزاء بحياة الآخرين. نعم لقد انتصر الشر على الخير هذه المرة، وقضى على حلم مريم مع خطيبها العائد من الخارج الذي كان يعدّ لها مفاجأة عقد القران، فقطع عليه هذا المتهور أحلامه، فانقلب الفرح عزاءاً، واستُبدِل ثوب العرس بكفن لُفّت به العروس.
تُرى، ما عسانا نقول؟!

مريم مع خطيبها.
هل تكفي الدماء التي هدرت أن نخط بها ما يخالجنا من شعور بالحرقة؟
هل يستطيع الشاب المتهور أن يعطينا جواباً عما جنته يداه بحق هذه الروح الطاهرة؟
هل سيستطيع العيش هنيئاً مرتاح البال بما حصل معه؟
هل سينقل لزملائه الغصة التي سترافقه طوال حياته، لكي يأخذوا العبرة مما حصل؟
هل سيستيقظ ضمير كل أب وأم وأخ وإبن فيأخذوا العبر مما يحصل كل يوم من ضياع بسبب الإهمال وإهدار الحقوق.
هل سيستيقظ ضمير كل مسؤول في موقعه فيضع حداً لما نسمعه ونشاهده بأم العين على الطرق كل يوم ؟! أم أن همومهم في مكان آخر؟! .
لكن، نقول لهم وبكل صراحة، إن هذه الحوادث المخيفة التي تقع كل يوم، لن توفر أحداً إذا لم يسارعوا في وضع حد لها والضرب بيد من حديد دون تهاون.. "فمعظم النار من مستصغر الشرر".. Δ