هكذا فارقت الحياة!

فجأة، أبهرني نور سيارة! ففقدت السيطرة.
أذكر أنني حاولت التوقف، لكن سرعتي وتعبي لم يسمحا لي بذلك.
خفت، فكرت لحظتها بصديقتي سلمى التي بجانبي وصراخها يزداد، فكرت بوالدتي، صلّيت وكنت عاجزاً عن التحكّم والسيطرة.
تدحرجنا، ارتطمنا، طرنا ...
ومن ثم لم أعد أذكر شيئاَ لفترة زمنية معينة.
حين استيقظت، نظرت إلى يميني، فرأيت سلمى تبتسم لي، ولم يكن على أي من أجسادنا ولو خدشاً صغيراً. ارتحت كثيراً ... إلا أنني سرعان ما سمعت صوتاً أليفاً، نواحاً حزيناً، بكاءً موجوعاً، صرخةً تدلّ على حرقة قلب. نظرت، فرأيتها ... أمّي!!
هرعت إليها وناديتها لأسألها عن السبب وأضمّها إليّ، لم ترد وكأنّها لم تراني. صرخت لأطمئنها أنني على ما يرام، لم تتأثر!
ترى أكان كابوساً؟
دنوت لأرى ما الذي كان يبكي أمّي، فرأيت جثة هامدة مشوهة ... لكن هذا أنا!! ودمائي على الأرض! وسلمى إلى جانبي أرضاً!!
لا! لا يمكن!
حاولت مراراً وتكراراً الصراخ والتلميح، ما عاد شيئ ينفع. لقد انضممت إلى عالمٍ آخر ... ذلك الذي لا حلم فيه ولا أهل ولا كلام.
أنا الذي كانت الحياة تنتظرني، ها هي تلتهمني!
جلست متأملاً، حاسباً الثوان والاحتمالات: لو لم أشرب كثيراً، لو لم أصطحب سلمى معي إلى الحفلة، لو نمت قليلاً قبل القيادة، لو مررت بهذا المفرق بدلاً من ذاك .. لو ...لو ...
لكنت الآن طالباً جامعياً، لكنت محوت الدمعة عن وجه أمّي، وأخفيت الحرقة من قلب أمّ سلمى، وخفّفت من غصة أبي. ولكن ماذا ينفع الندم الآن؟
كانت ثانية لن تعود ... مجرّد ثانية ... قلبت كلّ شيء وغيّرت المشاريع وكسّرت الأحلام ... مجرّد ثانية!
ليلتها، كنت فخوراً.
ليلتها، خلت نفسي أكبر من أن تسعني الدنيا بأكملها.
ليلتها، كان الشغف والإعتزاز يغمرانني حتى الغرور.
ليلتها، كان الهمّ بعيداً والموت مجرّد وهماً.
ليلتها، كنت أغادر المدرسة، وكانت سهرة تخرّجنا قد حلّت أخيراً، ومرحلة من حياتنا تنتهي لتبدأ أخرى.
إلا أنّني لم أدرك أنّها بالنسبة إليّ وسلمى، كانت ستكون رحلتنا الأخيرة، في سهرتنا الأخيرة، والثانية الأخيرة التي لا يمكنني استعادتها.
فانتبه يا صديقي ليلة تخرّجك
حافظ على حياتك وحياة من برفقتك. إذ أنّ حفلة التخرّج هي حفلة البدايات: بداية حياة جديدة، وبناء حلم، ووعد بأن نلتقي قريباً مع الرفاق ... فلا تجعل منها سهرة نهايتك!
Δ
سنا نعمة