عدم الأخذ بتقرير خبير السير إذا اقتصر مضمونه على ما أدلى له طرف واحد
المحامي شادي خليل أبو عيسى
عضو اتحاد المحامين العرب
تتكرر حوادث السير يومياً وبصورة مفجعة مخلّفة ضحاياً وأضرار جسيمة جسدية ومعنوية. وهنا، يقتضي التنبه إلى حيثيات الحادث وتقارير الدرك والخبراء والصور المُرفقة كي لا يتحول المجنى عليه إلى جاني أو العكس.
المبدأ العام
يحضر إلى مكان الحادث الخبير في شؤون السير (منتسب إلى نقابة الخبراء) لينظم تقريراً مستنداً إلى مشاهدته لواقع الطريق وإلى أقوال الطرفين. وهنا، يتوجب عليه الاستماع إلى افادة السائقين وإلاّ تعرض تقريره للطعن أمام المحكمة المختصة.
ولكن، مع الأسف، قد تتداخل المحسوبيات والمصالح والضغوطات السياسية والمالية حيث يتم إهمال أقوال أحد طرفي الحادث ويتحول التقرير إلى وسيلة لتغيير مسار التحقيق والمحاكمة. فإذا كان تقرير خبير السير يفتقر إلى الدقة في وصف الحادث وطريقة حصوله، وخصوصاً إذا تبيّن - وأقرّ- بأن تقريره ارتكز على أقوال طرف واحد دون سواه، عندها يستوجب إهماله (بهذا المعنى، حكم صادر عن القاضي المنفرد الجزائي في البترون بتاريخ 4/11/2009).
وأيضاً، إن معظم سائقي الشاحنات العابرة للحدود هم من غير اللبنانيين، وبالتالي عليهم الاستحصال على رخص سوق لبنانية أو دولية وإلاّ كان وضعهم غير قانوني ويجعل قيادتهم للشاحنة مخالفاً لأحكام المادة 168 من قانون السير، الأمر الذي قد يشكل قرينة على عدم أهلية سائق الشاحنة للقيادة على الطرقات اللبنانية سيما وان العديد من الحوادث تؤدي إلى وفاة سائق السيارة المتضررة. وهنا، يمكن تطبيق أحكام المادة 564 من قانون العقوبات اللبناني على سائق الشاحنة في حال توافر العناصر الأساسية لإدانته (يمكن إبدال عقوبة الحبس تخفيضاً سنداً للمادة 254 من قانون العقوبات). علماً، بأن مسؤولية سائق الشاحنة عن الحادث لا تنفي مسؤولية الضحية أيضاً خاصة إذا كان المتوفى (عادة سائق السيارة) يقود مركبته بتهور متجاوزاً السرعة المحددة والأصول القانونية المنصوص عنها في قانون السير.
كما يجب الانتباه أيضاً إلى نقطة مهمة تتعلق بالسلامة العامة على الطرقات وهي عما إذا كان يوجد على الشاحنة أنوار القياس المنصوص عنها في المادة 86 من قانون السير والتي تحدّد طول ونوع المركبة ليلاً.
توزيع المسؤولية
وفقاً للمادة 122 من قانون الموجبات والعقود، كل عمل من أحد الناس ينجم عن ضرر غير مشروع بمصلحة الغير يُجبر فاعله إذا كان مميزاً على التعويض. وكذلك، ان المادة 123 من القانون عينه قد جاءت متممة للمادة 122 ومكملة لها عندما لحظت على انه يسأل المرء عن الضرر الناشئ عن فعل مرتكبه.
وإذا تبيّن أن سائق الشاحنة كان وقت حصول الحادث يعمل لصالح مالكي الشاحنة، وفق ادارتهم وتوجيههم لنقل البضاعة، عندها يتم تطبيق نص المادة 127 من قانون الموجبات والعقود التي تنص على الآتي: " ان السيد والولي مسؤولان عن ضرر الأعمال غير المباحة التي يأتيها الخادم أو المولى في أثناء العمل، أو بسبب العمل الذي استخدماهما فيه وان كانا غير حرين في اختيارهما، بشرط أن يكون لهما سلطة فعلية عليهما في المراقبة والإدارة. وتلك التبعة تلحق الأشخاص المعنويين كما تلحق الأشخاص الحقيقيين ". وبالتالي، يكون مالكي الشاحنة مسؤولين بالمال عن الأضرار التي يتسبب بها سائق الشاحنة أثناء العمل، وهم مسؤولين متضامنين معه عن مبلغ التعويض الذي سيحكم عليه به. وإذا كانت الشاحنة مؤمنة لدى شركة تأمين بموجب عقد ساري المفعول، عندها يمكن أن تكون تلك الشركة ضامنة للتعويض عن الأضرار التي تنجم عن تلك الشاحنة. علماً بأن طلب الإدخال في القضايا الجزائية لضمان التعويض تبعاً للدعوى العامة لا تستوجب أي رسم، ويمكن للمحكمة أن تقرره من تلقاء نفسها سنداً للمادة 45 من قانون أصول المحاكمات المدنية، إذا رأت أن من شأن هذا التدبير أن يسهل الحكم في الدعوى الأصلية ويؤدي إلى إظهار الحقيقة، وان فيه فائدة لصيانة حقوق الخصوم أو أحدهم أو حقوق المقرر إدخاله. ووفقاً للمادة 972 من قانون الموجبات والعقود، ان الضامن الذي دفع تعويض الضمان يحل حتماً محل المضمون في جميع الحقوق والدعاوى المترتبة له على الأشخاص الآخرين الذين أوقعوا بفعلهم الضرر الذي أدى إلى ايجاب التبعة على الضامن. وتشمل تلك المادة جميع أنواع الضمان من الأضرار. ويشترط لقبول التدخل أو الإدخال أن تكون للمتدخل أو لطالب الإدخال مصلحة شخصية مشروعة ( المادة 40 أصول محاكمات مدنية)، وهو جائز في جميع أوقات المحاكمة وحتى ختامها ( المادة 41 أصول محاكمات مدنية). وعملاً بأحكام المادة 468 من القانون عينه، يمكن للمحكمة ألا تستجيب للمطالب إلاّ إذا وجدتها قانونية في الشكل جائزة القبول ومبنية على أساس صحيح ( بهذا المعنى، حكم القاضي المنفرد المدني في بيروت الناظر بالدعاوى المالية، رقم 48 تاريخ 1/2/2005).
الضرر الأدبي
إن الضرر الأدبي يعتد به كما يعتد بالضرر المادي والقاضي يمكنه أن ينظر بعين الاعتبار إلى شأن المحبة إذا كان هناك ما يبررها من صلة القربى الشرعية أو صلة الرحم ( المادة 134 من قانون الموجبات والعقود). وتتحقق الأضرار المعنوية في جانب الأهل كنتيجة لفقدانهم لابنهم وهو في ريعان الشباب ( تمييز، غرفة أولى، رقم 73 تاريخ 14/7/2000). وينظر أيضاً إلى الأضرار غير المباشرة إذا كانت متصلة اتصالاً واضحاً بالجرم أو شبه الجرم.
أما بالنسبة إلى سريان الفائدة على مبلغ التعويض، فيبدأ احتسابه من تاريخ المطالبة به، باعتبار أن القرار الصادر بالتعويض هو معلن للحق الناشئ قبل صدوره ( بهذا المعنى، تمييز مدنية، قرار رقم 17 تاريخ 15/10/1996. وأيضاً: تمييز مدنية، قرار رقم 15 تاريخ 1/6/1996).
هذه هي النقاط الأساسية التي يقتضي التنبه إليها عند وقوع حادث سير كي لا تتفاقم المشكلة ويخسر كل صاحب حق حقه.
Email: [email protected]