ليس لدى قوى الأمن تخصّص في شؤون السير. يمكن أن يعمل رجل الأمن لسنوات في مكافحة المخدرات، أو في المرافقة الشخصية، مثلاً، ثم يجد نفسه فجأة شرطي سير. والنتيجة: لا أهلية قانونية وسلوكية. كيف يمكن لقانون سير أن يُبصر النور من دون ولادة من يُطبّقه؟
ملف | في إحدى الندوات التثقيفية لعناصر شرطة السير، قبل أشهر، تبيّن أن 95 شرطياً من أصل 100 لا يضعون حزام الأمان أثناء قيادة السيارة. هؤلاء من شرطة السير! إذاً، لا حاجة إلى الحديث عن سائر رجال الأمن. لك أن تتخيل فحسب. الذين كانوا في تلك الندوة هم من المكلفين بتطبيق قانون السير الجديد، الذي صدر في الجريدة الرسمية أخيراً، قبل أن يُسحب ويؤجل العمل به إلى أجل غير محدد. أسباب إرجاء العمل بهذا القانون كثيرة، لكن أبرزها هو عدم وجود من يطبّقه، أو بالأحرى من هو مؤهّل ليطبّقه.
هذه نتيجة طبيعية، إذا ما علمنا أن شؤون السير لا تعدّ اختصاصاً لدى قوى الأمن الداخلي. فمثلاً، يمكن أن ينقل الشرطي من حماية الشخصيات، بين ليلة وضحاها، إلى شرطة السير. كثيرون عملوا لسنوات في مكافحة المخدرات، أو في المخافر والفصائل، إذا بهم ينقلون فجأة إلى السير. هذا الواقع ينتج، تلقائياً، شرطي سير يجهل أبسط معايير السلامة العامة، فضلاً عن عدم إلمامه بقانون السير، القديم منه قبل الجديد. من هؤلاء الذين «يطبشون» براحة اليد على مؤخرة السيارة، ويصرخون بسائقها... «مش سامع يا حمار». المهذب منهم من يصرخ: «امش يا مرسيدس». الناس عندهم بأسماء سياراتهم. من هؤلاء من «يلطّشون» الفتيات على الطرقات، ويقودون الدراجات النارية، وهم يرتدون بدلاتهم، من دون وضع الخوذة الواقية.
إزاء هذا الواقع، وضع القائمون على قانون السير الجديد، بحكم معرفتهم بشرطة السير، مادة تنص على ضرورة إنشاء وحدة خاصة، تكون تابعة لقوى الأمن الداخلي، تُعنى بشؤون السير فقط. إذاً، المطلوب إنشاء وحدة خاصة، على غرار وحدات الدرك وشرطة بيروت والشرطة القضائية، لا الاكتفاء بشعبة أو مفرزة.
تنص المادة 414 من قانون السير الجديد على أنه: «ينشأ في قوى الأمن الداخلي وحدة للمرور، تعنى بشؤون ضابطة السير وتأمين السلامة العامة، وتنظيم حركة المرور وتطبيق قانون السير على الطرقات العامة. تحدد هيكلتها ومهامها وصلاحيتها بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح وزير الداخلية والبلديات، بعد استطلاع رأي مجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي». ومن منطلق هذا النص، علمت «الأخبار» أن مجلس الوزراء، حالياً، ليس في صدد توقيع مرسوم لإنشاء هذه الوحدة، بل ليس هناك أي اقتراح من هذا النوع. هكذا ولد قانون السير الجديد، وهو عصري، بحسب وصف الجمعيات الأهلية، من دون وجود آليات تطبيق له. وبحسب مسؤول أمني معني بشؤون السير، فإن إنشاء وحدة خاصة بالمرور «ليس سهلاً، وهو بأيدي السياسيين، لأن الوحدات القائمة حالياً لدى قوى الأمن الداخلي موزعة طائفياً، وبالتالي ربما علينا أن ننتظر حصول توافق على صيغة لها». يرفض المسؤول القول بعدم وجود آليات لتطبيق القانون، إذ «يمكن أن نبدأ بتطبيقه بالشرطيين العاملين حالياً في السير، علماً بأن إنشاء تلك الوحدة يحتاج إلى تعديلات في المرسوم رقم 17، الذي ينظم شكل وحدات قوى الأمن الداخلي وعملها. ولادة تلك الوحدة صعبة في المدى المنظور، وبالتالي علينا أن نجود بالموجود». يدرك المسؤول الحاجة إلى عناصر اختصاص في السير، فيتحدث عن «الدرّاج» (سائق الدراجة الأمنية) مثلاً، الذي يحتاج تدريبه إلى مدّة طويلة، ولكن «نجد أنه ينتقل لاحقاً للعمل في مكان آخر، حاملاً معه خبرته، وبالتالي نخسر كل ما تدرب عليه». في الواقع، العاملون في قوى الأمن لا يحبون العمل في شرطة السير، لما فيها من تعب وعناء على الطرقات، فضلاً عن الوقوف الطويل تحت الشمس أو المطر. المسؤولون يلحظون هذا الأمر، ولهذا طُرح أخيراً على مجلس الوزراء منح بدل اختصاص وتعويض للعاملين في شؤون السير... «لا بد من الترغيب بالمال والمخصصات لأصحاب هذا الاختصاص».
إلى ذلك، طالبت جمعية «يازا» الجهات الحكومية، بعد صدور القانون الجديد، بـ«تنظيم إدارة متخصصة بقطاع المرور، ضمن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وذلك بهدف تخصّص رجال المرور في عملهم الاحترافي، وتطبيق قانون السير بشكل صارم على جميع المواطنين من دون أي استثناء». يذكر أن هذا المطلب ورد، منذ أكثر من عشر سنوات، من قبل مجلس وزراء الداخلية العرب ومجلس رؤساء أجهزة المرور في العالم العربي.
في هذا الإطار، دعا أمين سير جمعية «يازا»، كامل إبراهيم، إلى ضرورة ضم مركز التحكم في السير، الذي يقوم بعمله حالياً، إلى الوحدة المطلوب إنشاؤها. فالمركز «يديره اليوم مقدم من قوى الأمن الداخلي، ولكنه يتبع لهيئة إدارة السير وليس لقوى الأمن الداخلي». يلفت إبراهيم إلى أنه بعد إنشاء تلك الوحدة، لا تعود شؤون السير تتأثر بالحالة الأمنية غير المستقرة في البلاد، بمعنى أنه «مهما ساءت الظروف الأمنية، ومهما احتاج الأمر إلى رجال أمن لضبط الأوضاع، يبقى للسير وحدة مختصة تدير شؤونه». يستغرب إبراهيم «الخفة» التي يتعاطى بها البعض مع موضوع السير، رغم أن «عدد قتلى حوادث المرور خلال العام يزيد على قتلى الاشتباكات والمعارك». ويروي مثلاً، يوم عيد الأضحى الماضي، كيف تحول العيد إلى «مأتم في قرية مشغرة، عندما وصل خبر مقتل شابين منها في حادث سير، فلم يستطع أحد من القرية إظهار الفرح. إلى هذا الحد يمكن حوادث المرور أن تؤثر في عائلات وقرى ومجتمع». لا أحد يتوقف عند هؤلاء القتلى، ربما لأنهم لم يُقتلوا بالرصاص، في بلاد ما عاد يُحرّكها سوى الرصاص.