التكلم على الهاتف يرفع احتمال وقوع الحادث اربع مرات

التكلم على الهاتف يرفع احتمال وقوع الحادث اربع مرات
فكّر صح وانطلق بأمان
- حل ممكن وهو ابتكار هواتف خليوية تتوقف عن العمل أثناء سير السيارة!
الأسبوع العربي - 24 أيلول 2012
جومانا نصر
الخليوي يرن. يد على المقود وأخرى على الهاتف. كلام وعتاب و... انقطع الخط!. "missed call" آخر. Watts up هي الحل. وفي أقل من لحظات يصير كاتب الرسالة النصية خبراً في الصحف ونشرات الأخبار. المجرم الدخيل ليس غريباً على أحد. إنه «الخليوي» أو ما يعرف بوسائل التلهي. والرادع الذي يفترض أن يكون مؤطراً بقانون سير جديد، بات يرتكز على عقلنة غريزة المواطن وتوعيته كما الحال في كل دول العالم التي وضعت الحكومات تشريعات جديدة لردع المخالفين. وفي لبنان كانت المبادرة من شركة «تاتش» بالتعاون مع «اليازا» لنشر حملة توعية حول مخاطر التلهي أثناء القيادة. فهل تثمر عن حلول ولو جزئية؟ بالنسبة الى العاقلين النتائج مضمونة سلفاً لأن الرادع سيكون من خلال العقل الذي حفظ بنود الحملة. أما المهووسون فلا رادع أمامهم الا قانون يعاقبهم اما بغرامات موجعة أو بالسجن وفق أحكام طويلة الأمد.
في اختصار، لا كلام، ولا «واتس آب» ولا حتى التفتيش عن رقم على الهاتف الخليوي لأن أياً من ذلك سيقلل من انتباه السائق ويزيد من احتمال وقوع حادث سير بمعدل أربع مرات أكثر من العادة. والكلام ليس مجرد تنظير، فالدراسات تؤكد أن إحتمالات وقوع حادث سير تزيد أربع مرات إذا كان سائق السيارة يتحدث عبر هاتفه المحمول أثناء القيادة. وليس مهماً إذا كان الهاتف محمولاً في اليد أثناء التحدث أم مجهزاً بسماعة مستقلة تسمح بحرية اليدين. فالهاتف المحمول عامل خطير في تشتيت الإنتباه. وهذا ما دفع حكومات العالم الى سن تشريعات تتعلق بالأجهزة التي تحمل باليد أثناء المكالمة، وبإعادة النظر في هذه التشريعات في ضوء النتائج التي ستتوصل إليها. لكن القوانين التي تحد من إستخدام الهاتف خلال القيادة يصعب تطبيقها، وثمة حل ممكن وهو إبتكار هواتف خليوية تتوقف عن العمل أثناء سير السيارة! هكذا يقول الباحثون فماذا في التفاصيل العملانية؟

الخطر... بالارقام
مما لا شك فيه أنه بات من المستحيل التحرك من دون شريكنا الدائم. طبعاً حزرتم أنه الهاتف المحمول. حتى الأولاد صاروا مدمنين عليه حتى قبل أن يجلسوا وراء المقود فكيف بعده؟ وإذا سلمنا أننا بتنا نعيش في مجتمع يولي أهمية كبرى للتفاعل الاجتماعي ولمجموعات الأصدقاء، فالهاتف النقال هو الوسيلة الأنسب للتواصل مع الآخرين. ومن الطبيعي أن يكون التواصل أثناء القيادة جزءاً من عملية التواصل الآني مما يتسبب بحوادث سير.
في العالم التقارير الإحصائية واضحة ودقيقة. 20 ألفاً من حوادث الطرق القاتلة بين العامين 2005 و2010. هذه الأرقام دفعت وزارة النقل الأميركية إلى عقد مؤتمر قمة تحت عنوان «إجراءات لمكافحة السلوك الخطير والمستهتر والمدمر الناتج عن القيادة تحت تأثير الخليوي». المؤتمر كان بمثابة التنبيه لأن الجميع لديهم هواتف محمولة. والكل يعتقد أنه يستطيع استخدامه أثناء القيادة، لكنه لا يستطيع ذلك بالفعل. وعلى الرغم من الدراسات المخبرية والرقابية التي وضعت لتحديد مخاطر تأثير استخدام الهاتف المحمول أثناء القيادة، فإنه لم تكن هناك طريقة للتأكد بدقة من عدد الحوادث التي تسببها الرسائل النصية أو استخدام الهواتف المحمولة عموماً. إذاً الأمر غاية في الصعوبة لقياس العلاقة بين السبب والمسبب. وباستخدام الإحصاءات المتوافرة من الجهات الرسمية، توصل الباحثون إلى أن نسبة الوفيات ازدادت 19 في المئة مع استخدام الرسائل النصية أثناء القيادة. ومن دونها كان سيخف العدد من أربعة آلاف و611 إلى ألف و925 حالة سنوياً. هذه الأرقام المذهلة دفعت بحاكمي ثلاثين ولاية في الولايات المتحدة ومنها واشنطن إلى منع استخدام أي هاتف خليوي باليد أثناء القيادة. لكن هل يكون استخدام السماعة بمثابة حل للعاجزين عن عدم التكلم أثناء القيادة؟ الباحثون توصلوا إلى نتيجة علمية مفادها أن السماعة التي توضع في الأذن بديلاً عن الهاتف أثناء القيادة والتي تسمح للسائق بأن يستخدم يديه، لا تخفف من نسبة الحوادث، إذ يفقد السائق تركيزه بالحديث على الهاتف حتى لو لم يستعمل يديه. اقتنعتم؟ بعد! نعود الى لبنان.

وفي لبنان
الدراسات الإحصائية تشير إلى أن التلهي أثناء القيادة في لبنان يشكل سبباً رئيسياً في تزايد حوادث السير وارتفاع عددها في الآونة الأخيرة، لكنه ليس الوحيد. فمظاهر التلهي الأخرى أثناء القيادة لا تقل عنها خطورة ومنها، الأكل أثناء القيادة والتدخين وانتقاء المحطات على الإذاعة. لكن الأهم يبقى التكلم على الهاتف الخليوي. ويشير باحثون وخبراء في علم القيادة الآمنة الى أن السائق الذي يقوم بعملية ترقيم على الهاتف أثناء القيادة، أو قراءة الرسالة الواردة على هاتفه أو كتابتها، أو التحدث بشكل معمق والغوص في حل المشاكل المستعصية، يضيع تركيزه ويتشتت تفكيره على القيادة وكل ما يدور من حوله، مما يسبب وقوع الحوادث. وتبين إحدى الدراسات التي نشرتها جمعية «يازا» حول التشتت والحمل النفسي، أن قدرة استجابة السائق تزيد بمقدار 0،5 ثانية إلى 1،5 ثانية أثناء التحدث على الهاتف، ويؤثر ذلك في مقدرته على المحافظة على ثبات اتجاهه في مسربه وعلى المحافظة على مسافة الأمان بينه وبين المركبات أمامه. كما يؤثر على مقدرته على اختيار السرعة المناسبة أو المحافظة عليها. إلى ذلك يساهم استخدام الهواتف الخليوية أثناء القيادة في تمديد الوقت الذي يستغرقه رد الفعل (لاسيما الوقت الذي يستغرقه رد الفعل بالفرملة، وأيضاً حيال إشارات المرور)، كما يحد من قدرته على المكوث أو سلوك الممر الصحيح، وتقليص مسافات التتابع. إلى ذلك تبين أن كتابة وقراءة الرسائل القصيرة تحد بشكل كبير من أداء السائق، خصوصاً فئة الشباب المعرضين بشكل مباشر لآثار السهو الناجم عن هذا الاستخدام. ويواجه السائقون الذين يستخدمون الهواتف المحمولة، أكثر من غيرهم بأربع مرات تقريباً، مخاطر التعرض لحوادث مرور. ولا تتيح الهواتف التي يتم بواسطتها التكلم من دون استخدام اليد قدراً أكبر من السلامة مقارنة مع الهواتف المحمولة باليد. لكن تبقى إيجابية من حمل الهاتف أثناء القيادة إذ تبين أن عدداً كبيراً من الذين تعرضوا لحوادث سير، استخدموا هاتفهم الخليوي في طلب المساعدة.
حملة توعية
حتى الساعة لا يوجد الا القليل من البيانات التي تدل على كيفية الحد من استخدام الهواتف المحمولة أثناء القيادة، والمطلوب من الحكومات اتخاذ إجراءات استباقية في هذا المجال، منها وضع قوانين تشريعية جديدة تتلاءم وواقع انتشار ظاهرة المحمول أثناء القيادة، وإطلاق حملات للتوعية العامة، والعمل بانتظام، على جمع البيانات الخاصة بالسهو أثناء القيادة من أجل تحسين فهم طبيعة هذه المشكلة. وحتى الوصول إلى هذه الحلول الجذرية التي تعتمد على تشريعات حكومية كان تحرك القطاع الخاص من قبل شركة touch الرائدة في مجال الإتصالات المتنقلة والتابعة لمجموعة «زين» في لبنان.

ففي إطار دعمها لتعزيز مستوى السلامة المرورية على الطرقات، أطلقت «تاتش» بالتعاون مع جمعية الشباب للتوعية الاجتماعية (YASA) حملة جديدة تحت عنوان «تجنب التلهي أثناء القيادة» لتوعية الجمهور اللبناني الى مخاطر استعمال الخليوي ومخاطر كتابة الرسائل النصية وقراءتها أثناء القيادة. وتأتي هذه الحملة كتكملة لمبادرة زين، الشركة الأم لـ touch، التي أطلقت بدورها برنامجاً طويل الأمد لتعزيز السلامة المرورية بعنوان «القيادة الآمنة»، وهي أضخم الحملات في مجال نشر المسؤولية الاجتماعية في الشرق الأوسط. وتهدف الحملة بحسب مديرة العلاقات العامة في الشركة غادة بركات إلى إلقاء الضوء على خطورة التلهي الذي أصبح أحد المسببات الثلاثة الأساسية في حوادث السير، والتركيز على خطورة استخدام الهاتف الخليوي للقيام بالمراسلات النصية "Texte messaging".
ولفتت بركات، إلى أن الشركة ستواصل مع جمعية «يازا» تفعيل حملات التوعية في لبنان عبر شتى قنوات التواصل والإعلام حول عدم المراسلة النصية أثناء القيادة، خصوصاً أنها تزيد من مخاطر التعرض لحادث سير 23 مرة أكثر من احتمال وقوع الحادث في حال عدم التلهي، بحسب الدراسات العالمية. فـ «المراسلة النصية تستوجب انتباهاً مرئياً ويدوياً وذهنياً، وبالتالي فهي تعتبر من أخطر أسباب التلهي إن لم تكن أخطرها على الإطلاق مما يؤكد على ضرورة التحرك مع المجتمع المدني لتفعيل حملات التوعية حيال هذا الموضوع».

مؤسس «اليازا» زياد عقل اوضح أن الشراكة بين هذه الجمعية وشركة touch بدأت منذ العام 2006، وهي تتجدد اليوم وتتطور من خلال هذه الحملة التي تهدف إلى تكريم أربع من أبرز المؤسسات المعنية بحماية المواطن اللبناني وهي: قوى الأمن الداخلي والدفاع المدني وفوج الإطفاء فرع بيروت والصليب الأحمر اللبناني. وقد بادرت شركة touch الى رعاية المرحلة الثانية من حملة الخوذ الواقية من خلال تقديمها أربع مئة من الخوذات الخاصة بالدراجات النارية المصدق على جودتها بحسب معايير الجودة والسلامة الصادرة عن الاتحاد الاوروبي ومن وزارة النقل في الولايات المتحدة الاميركية. وفي موضوع مشاركة تجمع يازا في حملة «تجنب التلهي أثناء القيادة» اعتبر أنها الأولى من نوعها لتوعية الجمهور اللبناني على مخاطر استعمال الخليوي ومخاطر كتابة وقراءة الرسائل النصية خلال القيادة. وتأتي هذه الحملة في سياق اطلاق مبادرات مستدامة ستشارك فيها «اليازا» بهدف زيادة الالتزام بقانون السير الجديد الذي أقرته الهيئة العامة للمجلس النيابي بتاريخ 3 تموز (يوليو) 2012.
في انتظار القانون!
من الواضح أن لا شيء يردع مهووسي القيادة السريعة والمدمنين على التلهي أثناء القيادة إلا قانون على غرار قانون منع التدخين في الأماكن العامة. والدولة القادرة على نص وتشريع وتمرير قانون يفرض غرامات موجعة على المدخنين واصحاب المطاعم، وتقف في وجه أصحاب قطاع سياحي بكامله، قادرة أيضاً على فرض قانون يحد من الموت على الطرقات يومياً ويكلف الدولة أعباء تفوق تلك التي تتكبدها على تداعيات التدخين الإيجابي والسلبي. فما الذي يحول دون إقراره ويقف وراء عرقلته؟
«عملياً القانون أقر لكن التوقيت كان خاطئاً». توضيح من امين سر جمعية يازا كامل ابرهيم الذي أوضح أن القانون في الجلسة التي حصلت فيها إشكالات حول مسألة تثبيت المياومين ولا يزال ينتظر اجتماع هيئة مكتب المجلس للتوقيع عليه. إذاً كلها مسألة توقيت. وفي الإنتظار هناك حال فوضى وجنون تعم الطرقات. والقتلى الذين يسقطون يومياً بسبب الحوادث صاروا مجرد أرقام، والسبب إما السرعة والتهور أو التلهي في التكلم على الهاتف. ولفت ابرهيم إلى ان الفلتان الحاصل ناتج عن عدم وجود رادع قانوني أولاً ورادارات ثانياً خصوصاً أن العدد لا يكفي لتغطية كل الطرقات. وأعطى مثلاً عن عدد الرادارات الموزعة في محافظة البقاع حيث لا يتجاوز عددها الإثنين: واحداً في بعلبك والآخر في الهرمل. واستغرب عدم وجود حواجز لاختبار نسبة الكحول التي يفترض تثبيتها أمام أو على منافذ المطاعم والملاهي الليلية لا سيما في نهاية الأسبوع، حتى محاضر الضبط التي يجب تحريرها في حق السائق الذي لا يضع حزام الأمان لم تعد موجودة». وباستثناء محاضر الضبط التي تحررها بعض الرادارات التي لا تزال تعمل على السرعة لا توجد أية روادع.
منذ تركيب الرادارات يعني منذ نحو العام و8 أشهر وصل عدد المحاضر التي قبضتها الدولة الى 520 ألف محضر. وهذا يعني أن المبالغ التي قبضتها الدولة من قيمتها كفيلة في شراء 300 رادار والمطلوب 50 راداراً. فماذا يمنع الدولة من شرائها وتركيبها في النقاط والشوارع التي تتكرر فيها حوادث السير المميتة ومنها طريق يسوع الملك البحرية والأوتوسترادات الدولية؟ والأهم أين ذهبت اموال محاضر الضبط المحررة؟ وبكثير من الحيرة والشك في طبيعة عملها سأل ابرهيم عن دور غرفة التحكم التي استحدثت في بيروت. فـ «الأشخاص الموجودون هناك لا يملكون الصلاحية لمحاسبة شرطي عند إحدى الإشارات في حال كان يتلهى في التكلم على الهاتف او بالحديث مع أحد أو يدخن سيجارة في ظل إحدى الشجرات. دورهم اذاً محصور في التحكم بإشارات المرور عند مرور الوزراء والرؤساء». كل هذا يؤشر الى تفاعل ازمة السير في لبنان. فأي تباشير يمكن أن تحملها الحملة المنظمة للحد من التلهي أثناء القيادة؟
هز عصا
يؤكد ابرهيم ان الحملة مهمة إنطلاقاً من مضمونها فهي ستنتشر على مواقع التواصل الإجتماعي من تويتر وفايسبوك اضافة إلى اللوحات الإلكترونية المنتشرة على الطرقات، وتتضمن معلومات وصوراً وبيانات عن مخاطر التلهي على الهاتف اثناء القيادة. أما عن مدى تأثيرها «فلا شيء مضموناً لأنه في الأساس لا توجد إحصاءات قبل الحملة ولن نعرف مدى تأثيرها بعد انطلاقها. ثم هناك الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى الحوادث وتدخل في إطار التلهي ومنها النوم والأكل والتدخين وتغيير موجات الراديو... في النهاية هذه الحملة لمن يتقبل ذهنياً مفهوم التوعية لأنها تفسر لهم مدى الخطورة من استعمال وسائل التلهي وعدم القاء المسؤولية على الدولة لأنها من مسؤولية الفرد نفسه. إذاً هي بمثابة «هز عصا». أما المهووسون فلا يوجد أمامهم إلا رادع واحد هو القانون وهذا ما ننتظره من جلسة هيئة مكتب مجلس النواب. همنا اليوم أن نشتغل على عقلية المواطن العاقل. أما المهووسون فنتركهم للقانون الذي يفترض أن يقترن بالحملة للوصول إلى النتائج المرجوة.
عندما وصل عدد ضحايا السير في فرنسا إلى 16 ألفاً سنوياً، وضعت الدولة قانوناً صارماً يعاقب المخالفين ويطبق عليهم أحكاماً بالسجن تصل إلى عشرة أعوام. كان ذلك قبل 30 عاماً. ومن حينه انخفض عدد الضحايا إلى 4000. وفي لبنان كان العدد لا يتجاوز الـ 200 في الثمانينيات أما اليوم فتجاوز الـ 900 سنوياً. فهل تكون الحملة مقدمة لعقلنة العاقلين في انتظار القانون الذي يحاسب مهووسي القتل على الطرقات؟