الموت يعبر جسور المشاة بعد انسدادها بالنفايات

في جولةٍ قامت بها «الجمهورية» على عدد من جسور المشاة، المشهد عينُه يتكرّر، في محيطها مستوعبات «سوكلين» محروقة مهترئة، وأكوام من النفايات تُقفِل مداخلَها وتعوق حركة المشاة، وتستحوِذ على مساحة واسعة من جانبي الأوتوسترادات.
25 إلى 30 قتيلاً صَدماً
أمّا المشهد الأكثر غرابة، فهو مشهد المشاة المهرولين هرَباً مِن شبحِ الموت، وهم يَعبرون الأوتوستراد من مسلك إلى آخر. «يموت سَنوياً 25 إلى 30 شخصاً صَدماً، على الأوتوستراد بين الفوروم وضبَيه»، يؤكّد أمين سِرّ «اليازا» إبراهيم كامل، مطلِقاً جرسَ الإنذار بعدما بدأت النفايات تؤثّر في السلامة المرورية.
ويوضح لـ«الجمهورية»: «تكاد تلالُ النفايات أن تُقفِلَ الإشارات الضوئية وتُضَيّقَ الطرق الفرعية والعامة، تبدّل وجهات السير، إذ تَدفع السائقين إلى العبور عكس السَير، أو الاستدارة بحسب توسُّع النفايات، ممّا يزيد الحوادث».
ويحَذّر: «المسألة بدأت تلامس الخطوط الحمر على حساب السلامة المرورية للمواطنين، مع الإشارة إلى أنّ وسائل الحماية معدودة في لبنان، وقد تمَّ اتّخاذها بعد نضالٍ لأعوام، وبعد سقوط الآلاف من ضحايا حوادث السير».
يتوقّف كامل عند مغَبّة تراكم النفايات على مداخل جسور المشاة، قائلاً: «المؤسف أنّه حتى ما قبل تفاعُل أزمة النفايات، كانت المستوعبات موزّعة على نحوٍ إمّا أن تلامس الجسر أو أنّها موضوعة عند العتَبة الأولى... ممّا يَعوق استخدام الجسر. وبعد أشهر من انفجار أزمة النفايات، نرى أكياسَ القمامة متفَشّية على نحوٍ يفَضّل المواطن المخاطرةَ بحياته من الدَوس عليها».
في هذا السياق، يشَدّد كامل على ضرورة الاعتناء بجسور المشاة، قائلاً: «أقلّ خطوةٍ يمكن القيام بها منعاً لسقوط «شوقي نجّار آخر»، هي رفعُ النفايات من محيط الجسور بَدءاً من صباح الغد (اليوم)، وتوفيرُ الإنارة لها، ورفعُ الإعلانات منعاً لأيّ مضايَقة قد يتعرّض لها العابرون».
ضحيّة... «يا ريت الأخيرة»
عند الحادية عشرة قبل ظهر أمس، نَفّذت حملة «بَدنا نحاسِب» وقفةً احتجاجية أمام جسر المشاة في الدورة، استنكاراً لمقتل النجّار، وقد نَقل الناشطون جزءاً من النفايات عبر شاحنة، إلى مدخل شركة «سوكلين».إثرَ ذلك أوقفَت القوى الأمنية سائقَ الشاحنة. فتوَجّهَت مجموعة شبابيّة إلى مخفر الجمّيزة مستمهِلةً القوى الأمنية ساعةً للإفراج عن السائق، ملوِّحةً بالتصعيد. ولكن سرعان ما عاد الناشطون أدراجَهم، بعد إطلاق سائق الشاحنة.
في هذا الإطار، يتحدّث الناشط في «بَدنا نحاسِب» جورج عازار بنَبرةٍ غاضبة، «وكأنّ الحياة لا تليق باللبنانيين وشبح الموت يطاردهم، هل المطلوب أن ترتفعَ نسبة المقتولين صَدماً لتُرفَع النفايات؟».
ويقول لـ«الجمهورية»: «مِن واجب كلّ لبنانيّ المشاركة في الحركة الاحتجاجية استنكاراً لوفاة النجّار، وصباحاً سَجّلنا اعتراضاً، وكان السؤال الأبرز إلى أين نتوجّه بالنفايات؟ سُرعان ما نَقلنا جزءاً منها إلى الشركة التي هي طرَفٌ في اختناق لبنان بالنفايات»، مؤكّداً «أنّ سلسلةً مِن التحرّكات المفاجئة والمباغِتة وُضِعت على نار حامية، ولن ترحَم لا 8 ولا 14 آذار ولا أيّ قوى سياسية».
... قوى الأمن توضح
مِن جهتها، أوضَحت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في بيان «أنّ المديرية تقوم بواجباتها في مجال الضابطتَين الإدارية والعدلية، ومن صلب مهامّها عدمُ السَماح لأيّ كان بمخالفة القوانين والأنظمة النافذة أثناء إقامة التظاهرات والاعتصامات والتحرّكات والتجَمّعات أو ممارسة أيّ عمل احتجاجي من أيّ نوع كان، ولا سيّما في حال الجُرم المشهود (ضمن فترة 24 ساعة)، وهي لن تتوانى عن التعامل بحَزم مع أيّ عمل مخالف للقانون تحت إشراف القضاء المختص».
توالي الاستنكارات
وعند الرابعة بعد الظهر أمس، بأجواءٍ من الأسى ودَّعَت بسكنتا ابنَها شوقي، وسط نقمةٍ عارمة بين أبناء البلدة، فقُرعت أجراس كنيسة مار أنطونيوس حزناً وسط صرخات منَدّدة وهتافات مستنكِرة.
في موازاة ذلك، نَفّذت مجموعة من المجتمع المدني وقفةً صامتة أمام وزارة البيئة استنكاراً لِما آلَ إليه ملفّ النفايات، وتضامُناً مع الشبّان المضربين عن الطعام، بعدها انتقلوا إلى مدخل الوزارة، مطالبين باستقالة الوزير محمّد المشنوق.
هل مِن حلّ سريع؟
وسط تضارُبِ الحلول وتشعُّبِ توزيع المسؤوليات، السؤال عينُه يتكرّر على ألسِنة المواطنين، «شو الحَلّ؟». يَعتبر رئيس جمعية «غرين غلوب» سمير سكاف، «أنّ الحلّ السريع يَكمن في نقلِ النفايات إلى السلسلة الشرقية، في نقطةٍ صحراوية المناخ، حيث لا مياه جوفية قد تتلوّث».
أمّا على المدى الطويل، فيوضح لـ«الجمهورية»: «الخطة واضحة، على كلّ قضاء أن يمتلك على الأقلّ مركزاً للمعالجة، ومركزاً آخر لفَرز النفايات، ثمّ ينتقل العمل على تخفيض حجم النفايات».
يَعتبر سكاف أنّ في تجزئة النفايات أهمّيةً بالغة، «يمكِن العمل على تخفيض 15 إلى 20 % من النفايات من خلال ترشيد الاستهلاك، كعدمِ لفّ الهدايا بالأوراق أو أن نطلبَ وجبةً غذائية أكثر من حاجتنا...، وغيرها من الممارسات اليومية.
ثمّ ينتقل التركيز على الفرز من المصدر عبر حملات التوعية، وعلى الرغم من أنّها قد تحتاج إلى وقتٍ حتى تثمر، إلّا أنّها ستقلّص 35 إلى 40 % من حجم النفايات، وما يبقى من مواد عضوية يمكن تحويله إلى أسمدة تغَذّي الحقول والحدائق»، مشيراً إلى «أنه لا يبقى أمام البلديات إلّا مواجهة نسبة قليلة من العوادم».
في الختام يُجمع المراقبون على أنه لا يمكن الوصول إلى «نتائج سوَيدية» في معالجة النفايات، من دون بذلِ «جهود سويدية»، فهل نكون على قدر الرهان قبل فوات الأوان؟