قانون السير ينتقل من زمن "فورد أبو دعسة" الى.. "آخر موديل"
دلال التقي
المستقبل - الاربعاء 25 شباط 2009 - العدد 3230 - تحقيقات - صفحة 11
معدلة من يازا لبنان بتاريخ 29 تموز 2010
دلال التقي
"وقع حادث سير مروع أدى الى مقتل وجرح عدد من الأشخاص"، عبارة يندر أن تخلو منها نشرات الأخبار أو صفحات الجرائد التي تطالعنا يومياً بخبر من عشرات الحوادث التي تشهدها الطرقات اللبنانية، وتحصد معها أرواح العديد من الضحايا الشباب في غالبيتهم. الارقام التي تتكشف عنها تقارير قوى الامن الداخلي وتلك الصادرة عن الجمعيات المتابعة لشؤون السير وشجونه تبدو مخيفة اذا ما قيست بحجم بلد مثل لبنان وتدلل على واقع اقل ما يمكن وصفه بالكارثي. واقع وان كان في جزء منه يعود الى عدم التزام السائق اللبناني بقواعد السرعة ووسائل الامان المفروضة لجهله بها او لامبالاته لها، الا انه وفي جزء اكبر منه سببه قانون سير عفى عنه الزمن ولم يصر الى تحديثه منذ اربعة عقود باستثناء بعض التعديلات الخجولة التي اخطأت الهدف ولم تصب الجوهر.
القانون الذي فصل في العام 1967 على قياس 60 الف سيارة ما زال هو نفسه اليوم معمولاً به لتنظيم حركة مليون ومئتي الف سيارة في معادلة وان بعدت عن الطبيعة الى حد المعضلة فهي في لبنان تبدو مألوفة خصوصاً وان هناك العديد من نصوص القوانين المثيلة والمنتهية الصلاحية ما زالت" حية ترزق". وبحسب الجداول الرسمية منها وغير الرسمية فإن حوادث السير في لبنان تسلك اتجاهاً تصاعدياً بحيث سجل في العام الفائت وتحديداً حتى شهر ايلول منه وفق احصاءات قوى الأمن الداخلي وقوع 2857 حادث سير تسببت في جرح 4306 اشخاص ووفاة 328، 25% منهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الـ18 والـ25 عاماً.
للتخفيف من حدة التصاعد املاً بالوصول فيما بعد الى ايقافه سارع المعنيون من هيئات على رأسها تجمع الشباب للتوعية الاجتماعية "يازا" الى حشد الطاقات وكانت الانطلاقة في العام 2002 بإعداد التجمع مشروع اقتراح قانون سير جديد مواكب للتطور لم يبق شاردة ولا واردة الا ولحظها حفاظاً على السلامة العامة على غرار ما هو معمول به في الدول الغربية.
منذ فترة اعيد المشروع الى دائرة البحث في لجنة الاشغال العامة والنقل النيابية ومن بعدها الى اللجان المشتركة، وبانتظار اقراره واصدار المراسيم التطبيقية فيه من قبل الهيئة العامة للبرلمان في آذار المقبل الموعد المفترض، لا يغفل المعنيون من هيئات وجمعيات عن متابعة مهامهم وفي موازاتهم تجهد قوى الامن الداخلي للانقاذ عبر تنظيم حملات كان آخرها في شهري ايلول وتشرين الاول الفائتين حملة سلطت الضوء على أهمية استخدام حزام الأمان للوقاية من حوادث السير وقد تم خلالها تحرير محاضر الضبط في حق عدد كبير من المخالفين. هذا بالاضافة الى استقدامها متخصصين من فرنسا لتدريب عناصرها، عدا عن مشروع مكننة الرادارات وربطها ضمن مشروع النقل الحضري.
حزام الأمان واحد من البنود المفروض الالتزام بها في قانون السير الا أنه ليس الوحيد، فالقانون الجديد يحمل العديد من الشروط المفصلة على قياس زمننا سيما مع التطور والتكنولوجيا التي طالت السيارات والطرقات على حد سواء. وعلى امل اتمام مشروع النقل الحضري واقرار القانون الجديد قريباً تبقى مسؤولية حفظ السلامة العامة منوطة بوعي السائق نفسه والتزامه وبالمرجعيات المسؤولة عن سلامة السير والتي عليها التشدد في رسائلها بعدما اثبتت "رسائل المحبة" عدم جدواها عند كثيرين من المستهترين.
لا احصاءات تشير الى مدى معرفة اللبناني بقانون السير الا أن الأكيد أنها لدى كثيرين ما زالت متوقفة عند حدود الالمام بقراءة اشارات السير الحمراء والصفراء والخضراء والتي ان وجدت فانها تبقى عاطلة من العمل في أماكن كثيرة، ولعل في اعداد حوادث السير المتفاقمة خير دليل على ذلك. الارقام التي تتبين عنها الاحصاءات في ما يخص هذه الاعداد تتفاوت بين تلك العائدة لتجمع "يازا" والاخرى الصادرة عن قوى الامن الداخلي. فبحسب الاولى فان هذه الحوادث حصدت في العام 2007 870 قتيلا و 11400 جريح بينما تشير احصاءات قوى الأمن الداخلي للعام نفسه الى وقوع 4421 حادث سير تسببت في وفاة 497 وجرح 6266. هذا وبلغ عدد الحوادث في العام 2008 وتحديدا حتى شهر ايلول الفائت 2857 بينها 47 في المئة وقعت نتيجة عدم الالتزام بالقانون لجهة عدم التقيد بالسرعة المحددة والخروج عن قواعد السير. وقد اسفرت عن مقتل 328 وجرح 4306 وتدل الاحصاءات أن 33% من الجرحى و 25% من القتلى هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الـ18 والـ25 عاما.
وللحؤول دون ارتفاع عدد الضحايا والتخفيف منه سعت جمعية اليازا بين عامي 1997 والـ2003 وبالتعاون مع عدد من الوزارات وقوى الأمن الداخلي ومنظمة الصحة العالمية الى تحديث قانون جديد للسير من خلال مشروع اقتراح قانون يقلب الموازين ويجنب البلاد خسائر فادحة تلحق ببشرها وحجرها يكون على غرار القوانين المعمول بها في دول العالم المتطورة.
اقتراح اليازا أخذ طريقه الى المجلس النيابي بعد الاتفاق مع لجنة الأشغال العامة والنقل في تشرين الأول 2003.. وفي الثاني من حزيران 2005 تقدم النائب محمد قباني باقتراح قانون السير الجديد الى المجلس النيابي، وبعد موافقة هيئة الاستشارة في وزارة العدل، تم تأليف لجنة من عدد من الهيئات والوزارات المختصة برئاسة القاضي فوزي خميس لاعداد دراسة متكاملة لاقتراح القانون والآليات الضرورية لتطبيقه الا أن العمل قد توقف جراء حرب تموز ليتابع في العام 2007 في جلسات متقطعة بسبب عدم انعقاد اللجان النيابية حينها. ومنذ فترة يتم العمل بشكل متواصل كل يوم جمعة بهدف الانتهاء من دراسة الاقتراح وتقديمه الى المجلس ليصار الى بته.
يتحدث عضو لجنة الأشغال العامة والنقل النائب مصطفى هاشم، عن أن الاقتراح بات موجوداً حالياً امام لجنة فرعية برئاسة قاضي سير وممثلين عن اليازا وبلديتي بيروت وطرابلس ومجلس الانماء والاعمار بالاضافة الى خبراء سير وقوى الأمن الداخلي. وتتولى اللجنة درس التعديلات المطروحة الضرورية كما يؤكد هاشم، نظراً الى تعاظم مشكلة السير في لبنان، مع ازدياد عدد السيارات الى نحو المليون وربع المليون بعدما كان خمسين ألفاً عند اقرار القانون في العام 1967".
ويشدد على ان "لا معوقات تقف في وجه إقرار القانون وما من عقبات تعرقل وضعه موضع التنفيذ والمفترض أن تتم مناقشته خلال ايام".وينطلق هاشم "من ان رخصة السوق ليست حقاً من حقوق الانسان انما هي امتياز مؤقت يمنح للسائق الملتزم قانون السير، بحيث يشكل سحبها وسيلة رادعة لقمع المخالفات الخطرة والمتكررة. ويتوقف عند أهم النقاط التي تطالب اللجنة بتعديلها أو بالأحرى اضافتها الى القانون القديم، والتي لم تكن موجودة أصلا، وهي انشاء قاعدة المعلومات أو data base بحيث تشمل كل المعلومات والمخالفات للسائق وبالتالي خضوعه لنظام النقاط حسب المخالفات والتشدد بالعقوبات المفروضة، بالاضافة الى تصاعدية الغرامة، فضلاً عن طرح موضوع الآليات الثقيلة وتنظيم سيرها، لما تتسبب به من مشاكل وحوادث مميتة ". ويشير "الى أهمية التشدد وتفعيل الرقابة من قبل الاجهزة المختصة على مكاتب تعليم السوق التي يمنح بعضها اجازات السوق عشوائياً ومقابل حفنة من الليرات".
[ على طريق التصحيح:
يركز جميع المعنيين في مجال تطبيق قانون السير على ضرورة اعتماد مبدأ الغرامة والعقوبة التصاعديتين خلافاً للقانون المعمول به حالياً والذي لا يعتمد مرونة المخالفات. ويلحظ القانون الجديد اتباع نظام النقاط وصولاً الى سحب دفتر السوق، على غرار قوانين السير الجديدة المعمول بها في البلدان المتطورة، بموجب اطار قانوني يحدّد في جدول خاص عدد النقاط التي يجب حسمها من سجل السائق الخاص حسب ماهية المخالفة ودرجة الخطورة الناتجة منها. ونتيجة للجهود والأبحاث التي بذلت استطاع القانون الجديد الاحاطة بمشاكل السير كافة التي يعاني منها لبنان وبناء عليها وضع الحلول في اسس واضحة لقانون عصري يراعي المواثيق الدولية المعتمدة، ويتلاءم مع الواقع اللبناني ويضع الآليات الدقيقة والحديثة للحصول على إجازة السوق وفق المعايير المعتمدة دولياً. وفي هذا الاطار يصف مؤسس "تجمع "يازا" الدكتور زياد عقل المشروع بانه "مواكب للحداثة والتطور في حركة النقل وما طرأ عليها من تكنولوجيا وهو قابل للتطبيق وقادر على التخفيف من حوادث السير عبر تنظيم حركة المرور في لبنان". ويرى"ان هذا القانون وحده الكفيل بالغاء الوضع السيئ القائم حاليا نتيجة عدم وجود آليات واضحة ومتطورة لتنظيمه بالاضافة الى عدم تقيد المواطنين وتطبيقهم للقوانين من جهة وعدم مراعاة رخص السوق المعايير الدولية من الناحيتين النظرية والعملية من جهة ثانية".
[ على قد..... المخالفة
النقطة الثانية التي يتم التشديد عليها في القانون الجديد فهي تلك المتعلقة بانشاء قاعدة معلومات لكافة القضايا ومخالفات السير، بحيث يكون لكل سائق سجل خاص به، تسجل عليه المخالفات التي يرتكبها أثناء قيادته مركبته، واعتماد نظام النقاط السوداء وفق آلية معينة، تقضي بوضع لائحة لنقاط المخالفات المرورية.في احدى مواده ينص القانون على ان ترفق رخصة السوق بعشرين نقطة يسحب عدد منها لدى حصول اي مخالفة، وعند استنزافها كلها يبطل مفعول الرخصة لمدة ستة اشهر بحيث يمكن الخضوع لامتحان سوق جديد والحصول على رخصة قيادة جديدة بعد انقضاء المدة. اما عند استنفاد النقاط للمرة الثانية فيتم سحب الاجازة لمدة مضاعفة. وفي المقابل وفي حال مرت ثلاث سنوات من دون ارتكاب السائق اي مخالفة اضافية تعاد النقاط المسحوبة كلها وفي حال مرت سنة من دون مخالفة ترتجع سبع نقاط كحد اقصى. وتحدد في مادة اخرى الحالة الاستثنائية لضبط رخصة السوق ورخصة المركبة وارسالهما الى المحكمة مرفقين بالمخالفة بثلاث مخالفات وهي قيادة المركبة تحت تأثير المخدرات او الكحول او مركبة تحمل مواد خطرة او قابلة للانفجار داخل الاماكن المأهولة من دون ترخيص وعدم تبليغ اي مركز امني او دورية شرطة بحادث سير ارتكبه السائق وادى الى اصابة شخص ما. ويعاقب القانون مرتكبي مثل هذه المخالفات بالحبس لمدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد على ستة اشهر او بدفع غرامة مالية لا تقل عن 100 الف ولا تزيد على 200 الف او بكلتا العقوبتين كما وتسحب رخصة القيادة منه لمدة لا تقل عن 3 اشهر ولا تزيد على ستة، وفي حال صدور قرار المحكمة بالحبس فلا يجوز تحويل العقوبة غرامة. هذا وتقسم المخالفات في القانون الجديد الى ست فئات بحيث يتم سحب اكبر عدد من النقاط وهو ست نقاط للفئة السادسة اي الاكثر خطورة والحبس لمدة لا تقل عن عشرة ايام ولا تزيد عن شهرين او بغرامة لا تقل عن 75 الف ليرة لبنانية ولا تزيد على 150 الفا او بكلتا العقوبتين.
ويعتبر القانون الجديد رخصة السوق امتيازا مؤقتا يمنح للسائق الملتزم بقانون السير، ويحدد مدى تمتعه بهذا الامتياز في قيادة المركبات على الطرقات العامة. فكلما زادت المخالفات انخفض امتياز القيادة والعكس صحيح، وصولا الى مبدأ سحب الرخصة، حيث أظهرت الدراسات مقارنة مع قوانين السير في الدول المتطورة، أن هذه الفكرة ساهمت وساعدت بفاعلية كقوة رادعة في قمع المخالفات الخطيرة والمتكررة لقانون السير.الا أن كل ذلك لا يمكن أن يعطي مفعوله المفترض اذا ما لم يتزامن مع الجدية في العقاب والتشدد في تطبيقها من قبل الجهات المعنية، لانه ودائما بحسب عقل فان "العقوبة البسيطة تؤدي الى استهتار السائق والمشاة معاً بقانون السير".
وبحسب القانون الجديد فان كل رخص القيادة ان تلك الممنوحة للمركبات الخفيفة او الثقيلة تبقى سارية المفعول لمدة سبع سنوات قابلة للتجديد ولا تمنح لطالبها الا بتوافر شروط السن واللياقة الصحية بناء على تقرير طبيب مصدق على توقيعه من نقابة الاطباء الى فحص دم لتحديد الفئة على دفتر السوق واجتياز اختبار القيادة بشطريه النظري الخطي والعملي بالاضافة الى دفع الرسوم المقررة.
[ عراقيل... ومصالح
منذ البدء شكلت فكرة تطوير قانون السير النقطة التي انطلق منها تجمع "يازا" بغية الحد من الحوادث المتكررة وتقليل عدد ضحاياها خصوصا وان القانون الذي ما زال معمولاً به مفصل في العام 1967 وعلى قياس 50 الف سيارة. ويشير عقل الى ان التغيير الذي لحق بحجم الطرق من حوالي 2000 كلم الى أكثر من 8000 كلم وارتفاع عدد السيارات الى نحو مليون و350 الف سيارة يقتضيان تغيير قانون السير ليتلاءم مع التكنولوجيا المتقدمة التي تطورت في حركة سريعة."
منذ عقود ما زال قانون السير على حاله في لبنان باستثناء بعض التعديلات الطفيفة عليه"، لافتا الى "محاولات لمحاربة القانون الجديد من بعض الفاسدين الذين لا مصلحة لهم في تغييره. يجب تطوير اجازة السوق وعدم اعطائها الا لمستحقيها، وليس كهدية يعطيها أب أو أم لابنه عند بلوغه الثامنة عشرة مقابل ثلاثماية دولار تتقاضى الدولة منها 270000 ليرة فيما يذهب الباقي بشكل لا قانوني".
وما يزيد الطين بلة توافر مكاتب تعليم السوق غير القانونية التي حولت السمسرة طريقا لمنح الاجازة من دون خضوع الشخص للامتحان وما فضيحة حصول أحد المكفوفين على هذا الدفتر سوى شاهد على الواقع المتردي في هذا الموضوع. وقد اساء هذا الوضع الى سمعة العديد من المكاتب الأخرى القانونية والمرخصة من قبل وزارة الداخلية والتي تدافع بدورها عن القانون الجديد وشاركت في أعمال اللجنة المختصة لاقراره. ويتحدث أمين سر نقابة أصحاب مكاتب تعليم قيادة السيارات في لبنان بسام داغر التي يعود تأسيسها الى العام 1947 وتضم نحو 120 مكتباً من اصل 450 منتشرين في لبنان، عن ان المكاتب غير القانونية، تضر بمصلحة القانونية منها وتسيء الى سمعتها "، مؤكداً حرص النقابة على التشدد في تطبيق القانون والموافقة على التعديلات التي تطرح على القانون القديم ورفع الغطاء عن كل مخالف والضغط أدبياً عليه"، متهما المكاتب اللاقانونية بمحاربة القانون الجديد كونها المتضرر الاول من التعديلات.
اذا كان العديد من المعنيين يعملون لقانون سير جديد مواكب لمعالم التطور والتكنولوجيا وما يمكن أن يحمله ذلك من أمل في تقليص نسبة حوادث السير على غرار ما حصل في معظم دول العالم، يبقى الامل الاكبر مرهوناً بوعي كل مواطن للمسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه نفسه أولاً وتجاه الآخرين ثانياً، الذين لا ذنب لهم بتحمل سوء استعمال السيارة والقيادة المتهورة، والتي قد تقود صاحبها وغيره الى طريق ومكان لم يخطط للوصول اليه بتلك السرعة وذلك الوقت.