زينب ياغي -
أن يختار رئيس الحكومة سعد الحريري قضية السير كفاتحة لكلامه العلني قبل نيل حكومته الثقة هو خير دليل على مدى تفاقم وضع هذا القطاع وضرورة تناوله بالجدية التي تتناسب وما يحصد من أرواح وأعصاب وطاقة لدى المواطنين.
و إذا تمكن مجلس النواب أخيراً، وبعد خمس سنوات من المناقشات، من إقرار مشروع قانون السير الجديد، وإذا وجد لاحقاً من ينفذه، فمن شأن ذلك أن يحدث ما يمكن وصفه بالانتفاضة في نظام السير في لبنان.
تخيلوا رخص قيادة تستند إلى النقاط، وكلما ارتكب السائق مخالفة، تُحذف نقاط من الرخصة، وصولاً إلى سحبها. يسبق ذلك تغيير في طريقة تعليم قيادة السير عبر مدارس متخصصة وليس عبر مكاتب كما يحصل حالياً. لا لوحات تحمل أرقاما خاصة للجميع من دون استثناء، بما في ذلك المسؤولون السياسيون. لا حواجز أمام منازل السياسيين، لا مواقف عشوائية للسيارات، وكل من يشتري سيارة سوف يكون مسؤولاً عن تأمين موقف لها.
بعد خمس سنوات من الاجتماعات المتقطعة في ظل الظروف السياسية والأمنية التي عاشها لبنان، انتهت مناقشة مشروع قانون السير الجديد في لجنة خاصة في مجلس النواب، وهو يعتبر من أكبر المشاريع التي تطال القضايا الاجتماعية والانمائية، إذ يزيد حجمه عن ثلاثمئة صفحة «فولسكاب».
ومن شأن ذلك المشروع أن يرفع مستوى القيادة والسلامة المرورية في لبنان إلى مصاف الدول المتقدمة، وتحديداً بلدان الاتحاد الأوروبي التي نتجاور معها في البحر المتوسط.
فهو ينظم طريقة انتقال الناس والسيارات والحافلات والدراجات على الطرقات، وكيفية تعاملهم مع الأرصفة والمواقف، بوصف لبنان بلداً لا يوجد فيه نقل جوي داخلي ولا سكك حديدية ولا قطارات أنفاق. وتعتبر التعديلات التي أدخلت عليه هي الأولى منذ العام 1967 ، أي بعد اثنين وأربعين عاما على صدور القانون الأول، عندما كان عدد السيارات في لبنان يقارب الخمسة وخمسين ألف سيارة، وأصبح اليوم مليوناً وخمسمئة ألف سيارة.
وقد تولى إعداد المشروع لجنة خاصة تتألف من خبراء في السير، وهم كل من رئيس اللجنة القاضي فوزي خميس، ومدير العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي الرائد جوزيف مسلم، والخبير في تعليم القيادة بسام داغر، وأحد المشرفين على مشروع النقل الحضري في مجلس الإنماء والإعمار المهندس إيلي حلو، وممثل عن نقابة المهندسين المهندس فادي درويش، وممثل عن جمعية مستوردي السيارات سليم سعد، ومسؤول تجمع اليازا زياد عقل بالاضافة إلى مستشار التجمع المحامي لحود لحود.
وجرت المناقشات في مجلس النواب، بمشاركة رئيس لجنة الأشغال النيابية محمد قباني، بينما يجري حاليا إعداد الجدول الخاص بالمخالفات والغرامات التي يجب أن تدفع عن كل مخالفة. ويقول قباني لـ «السفير» إنه من المفترض أن يتم تحويل المشروع قريباً إلى اللجان النيابية المشتركة لمناقشته، ومن ثم تحويله إلى الهيئة العامة لمجلس النواب من أجل مناقشته وإقراره، أو ربما يجري تحويله مباشرة إلى الهيئة العامة إذا كانت هناك نوايا بتسريع إقراره.
واستند أعضاء اللجنة الخاصة في التعديلات التي أدخلوها على القانون القديم على عدد من المعايير أبرزها قوانين السير الموجودة في عدد من الدول الغربية بالإضافة إلى دبي التي تتبع قانون سير عصرياً.
كما استندوا إلى اتفاقية فيينا للطرقات الدولية، وهي تتضمن، كما يؤكد مسؤول تجمع اليازا زياد عقل، أهم المعايير الخاصة بالسير، لا سيما وأن لبنان وقع على الاتفاقية وأصبح من واجبه الالتزام ببنودها. تُضاف إليها اتفاقية الأسكوا الخاصة بالمشرق العربي، واتفاقية المشرق بين كل من لبنان وسوريا والأردن الخاصة بخط سير الشاحنات التي وقع عليها لبنان في العام 2001.
وتبين بموجب القانون الحالي، كما يوضح عقل، أنه لا توجد معايير دولية لإصدار رخصة القيادة في لبنان من الناحيتين النظرية والتطبيقية، ولا توجد آلية موحدة لرصد كل الحوادث والإصابات الناجمة عنها، ولا آلية لمعالجة النقاط السوداء مثل طريق المصنع التي تتكرر عليها الحوادث المأساوية نفسها، ولا شبكة طرقات مؤهلة للسير وجسور كافية وممرات مخصصة لسلامة المشاة.
المخالفات المرورية -
يتضمن المشروع الجديد عددا كبيرا من التعديلات أبرزها:
ـ أولا: اعتماد قاعدة معلومات، تحتوي ملفا لكل سائق، يشمل نظام النقاط الذي يرافق منح السائق رخصة القيادة. وتصنيف المخالفات المرورية من حيث درجة خطورتها على السلامة العامة، وحُدد عدد من النقاط لكل مجموعة من المخالفات، كما حُددت العقوبات بحق مخالفي أنظمة المرور.
ويوضح رئيس اللجنة القاضي فوزي خميس أنه سوف يسجل على رخصة القيادة عشرون نقطة، فإذا قاد سائق تحت تأثير الكحول مثلا وقتل ماراً في حادث اصطدام، تسحب منه عشر نقاط دفعة واحدة، وفي حال تم سحب دفتر القيادة من السائق لفترة معينة، يترتب عليه إجراء إمتحان قيادة جديد لكي يسمح له باستخدام السيارة مجددا.
وعلى كل من يريد القيادة أن يخضع لدروس نظرية وعملية في قانون السير، ثم يجري فيها امتحانا، لذلك اقترحت اللجنة أن يكون تعليم القيادة احد الاختصاصات المهنية، وليس كما هو حالياً إذ يستطيع كل من يريد فتح مكتب لتعليم القيادة التقدم بطلب والحصول على ترخيص.
ـ ثانيا: تخصيص بنود للدراجات النارية لم تكن موجودة بحيث يترتب معرفة قوة المحرك والوزن الفارغ والوزن الإجمالي والحمولة.
ـ ثالثا: على كل سائق أن يقتني إلى أجهزة الإطفاء، جهازاً لمعاينة المكابح، وآخر لفحص نسبة الكحول، وأضواء خاصة بالضباب.
ـ رابعا: تخصيص فقرات لكيفية السير على المسالك والمعابد، بعدما كانت ضمن فقرة عامة. وجرى هنا تعديل المادة الخاصة بضرورة تخفيف السائق لسرعته لدى مرور المكفوفين والمقعدين، فأصبح تخفيف السرعة إلزامياً لمرور المشاة جميعاً، وخاصة منهم المكفوفين والمقعدين. أي أنه لم يعد بإمكان السائق تجاوز عابر الطريق، وجعله في حالة انتظار.
خامسا: تعديل الفقرة الخاصة بحظر القيادة على السائق وهو في حالة السكر فأصبحت «يحظر على السائق القيادة وهو تحت تأثير الكحول بنسبة تتعدى نصف غرام لكل ليتر دم. كما جرت إضافة الهاتف الخلوي إلى لوائح الحظر، فأصبح أحد البنود يتضمن: «يحظر على السائق استخدام الهاتف الخلوي أثناء القيادة».
السرعة والأبواق
وفي الفصل الخاص بالسرعة، تضمنت التعديلات الأساسية التالي: على السائق تخفيض حدود السرعة إلى نصف السرعة القانونية المشار إليها على لوحات إشارات السير عند المنحدرات الحادة وأجزاء الطريق الضيقة أو المكتظة أو المكسوة بالثلوج، وعند الاقتراب من تقاطعات الطرق والمرتفعات والمؤسسات العسكرية ومخارج المصانع والمؤسسات التعليمية، أو تجاوز مجموعة من المشاة أو العسكريين أو قافلة بحالة وقوف، أو اجتياز حيوانات الجر أو الحمل أو الركوب أو المواشي، وعند الاقتراب من وسائل النقل المشترك في حال صعود الأشخاص أو نزولهم من الحافلات، أو الاقتراب من مناطق ورش الأشغال العامة على الطرقات، والاقتراب من الممرات الخاصة بالمشاة.
كما يتعين على جميع السائقين تخفيض السرعة إلى ربع السرعة القانونية المشار إليها على لوحات إشارات السير والوقوف التام إذا كانت الرؤية لا تسمح بمواصلة السير، خاصة عند وجود ضباب أو أمطار غزيرة، وبالقرب من المدارس والمستشفيات.
وأضيفت بنود تضمنت تخفيض السرعة عند تقلص الرؤية بسبب المطر أو الضباب أو غيرهما من العوامل الطبيعية، إلى ثلاثين كيلومتراً على الطرقات خارج المناطق المأهولة، وعشرين كيلومتراً على الطرقات داخل المناطق المأهولة، كما يجب على سائقي الدراجات عدم تجاوز سرعة ستين كيلومتراً داخل المناطق المأهولة وثمانين كيلومتراً خارج المناطق المأهولة.
وفي الفصل الخاص بالمنبهات، تم حظر استعمال المنبهات الصوتية إلا في الحالات التي تستدعي تفادي وقوع الحوادث أو حصول تجاوز خارج المناطق المأهولة، ويسمح باستخدام المنبهات فقط لمؤسسات القوى المسلحة والدفاع المدني والإطفاء والصليب الأحمر ومؤسسات الإسعاف الأولي.
كما تمّ حظر استعمال الأبواق ذات الأصوات المتعددة والصارخات والصافرات والمنبهات الصوتية التي تعمل بمحرك منفصل (زمور بحري) على أن تصادر الأجهزة المنصوص عليها، في حال استعمالها وتتلف بعد ثلاثة أشهر من تاريخ تنظيم المحضر.
كما يحظر استعمال المنبهات الصوتية داخل المناطق المأهولة، إلا في حالات الضرورة القصوى على أن تكون متقطعة وكثيرة الاعتدال، أما في الليل فتعطى التنبيهات بواسطة الإشارات الضوئية، وليس الأصوات، وعلى السلطات المحلية أن تقيد استعمال المنبهات الصوتية داخل المناطق المأهولة، أو تمنعها إلا في حالات الخطر الداهم.
الوقوف والتوقف -
أما في فصل الوقوف والتوقف، فينص المشروع على وجوب «وقوف المركبة على الطريق بصورة لا ينتج عنها أي مضايقة لحركة السير أو إعاقة الدخول إلى الأملاك العامة، على أن يتم ذلك الوقوف باتجاه وجهة السير. وإيقاف المركبة في جميع الحالات في أقصى الطرف الأيمن من الطريق، إلا إذا كان مخصصاً لسير خاص، أو كانت حالة الأرض لا تسمح بذلك.
كما ينص على حظر الوقوف في الأماكن المشار إليها بعلامة ممنوع الوقوف وفي الأماكن التي تبعد أقل من عشرة أمتار عن مواقف الحافلات الكهربائية والمركبات المعدة للنقل المشترك، وعند منعطف أو قمة طريق أو ملتقى طرق، وعندما تكون الرؤية غير كافية، وفي الأماكن التي يعيق فيها الوقوف إقلاع مركبة أخرى متوقفة، بالاضافة إلى حظر الوقوف على الجسور وممرات المشاة ومداخل ومخارج المرائب والحدائق العامة والمعابد والمدارس، وأمام مداخل الطرقات المؤدية إلى أبنية عامة، وعلى الأرصفة المعدة لسير المشاة، وعند الخطوط الحديدية والمسالك المعدة للسير السريع، والطرقات المحدد عليها أماكن لأخذ الركاب.
ويحظر عرض أو وقوف المركبات المعدّة للبيع بقصد التجارة على الطرقات العامة، حتى في الأماكن التي يسمح فيها بتوقف السيارات.
وقد اقترحت اللجنة إنشاء مجلس وطني للسلامة المرورية برئاسة رئيس الحكومة وعضوية الوزراء المختصين، على أن يكوّن المجلس هيئة عامة تشرف على تقديم الاقتراحات وتحديدها، بالتنسيق بين جميع الإدارت المختصة وهيئة إدارة السير والجمعيات الأهلية لرسم السياسة المرورية.
ويقول القاضي فوزي خميس إنه تم إلغاء اللوحات التي تحمل أرقاماً للوزراء والنواب والمسؤولين، باستثناء الرؤساء الثلاثة، وذلك يعتبر أيضاً امتيازاً لهم، لأنه لا يوجد في العالم شيء اسمه أرقام خاصة للوحات السيارات، لا للرؤساء ولا لغيرهم، لكنه يسأل ما إذا كان النواب سيوافقون على إلغاء ذلك الامتياز الذي أُعطي لهم، عدا غيرهم من المواطنين.